التفاسير

< >
عرض

حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ
٤٠
-هود

تفسير القرآن العظيم

هذه موعدة من الله تعالى لنوح عليه السلام إذا جاء أمر الله؛ من الأمطار المتتابعة، والهتان الذي لا يقلع ولا يفتر، بل هو كما قال تعالى: { { فَفَتَحْنَآ أَبْوَٰبَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى ٱلمَآءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَٰحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ وَلَقَدْ تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } [القمر:11-15] وأما قوله: { وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ } فعن ابن عباس: التنور: وجه الأرض، أي: صارت الأرض عيوناً تفور، حتى فار الماء من التنانير التي هي مكان النار، صارت تفور ماء، وهذا قول جمهور السلف وعلماء الخلف، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: التنور: فلق الصبح، وتنوير الفجر، وهو ضياؤه وإشراقه، والأول أظهر. وقال مجاهد والشعبي: كان هذا التنور بالكوفة، وعن ابن عباس: عين بالهند، وعن قتادة: عين بالجزيرة، يقال لها: عين الوردة، وهذه أقوال غريبة، فحينئذ أمر الله نوحاً عليه السلام أن يحمل معه في السفينة من كل زوجين اثنين من صنوف المخلوقات ذوات الأرواح، قيل: وغيرها من النباتات، اثنين ذكراً وأنثى، فقيل: كان أول من أدخل من الطيور الدرة، وآخر من أدخل من الحيوانات الحمار، فتعلق إبليس بذنبه، وجعل يريد أن ينهض، فيثقله إبليس، وهو متعلق بذنبه، فجعل يقول له نوح عليه السلام: مالك؟ ويحك ادخل، فينهض ولا يقدر فقال: ادخل، وإن كان إبليس معك، فدخلا في السفينة، وذكر بعض السلف أنهم لم يستطيعوا أن يحملوا معهم الأسد حتى ألقيت عليه الحمى.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا عبد الله بن صالح كاتب الليث، حدثني الليث، حدثني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لما حمل نوح في السفينة من كل زوجين اثنين، قال أصحابه: وكيف تطمئن المواشي ومعها الأسد؟ فسلط الله عليه الحمى، فكانت أول حمى نزلت في الأرض، ثم شكوا الفأر، فقالوا: الفويسقة تفسد علينا طعامنا ومتاعنا، فأوحى الله إلى الأسد فعطس، فخرجت الهرة منه، فتخبأت الفأرة منها"

وقوله: { وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ } أي: واحمل فيها أهلك، وهم أهل بيته وقرابته، إلا من سبق عليه القول منهم ممن لم يؤمن بالله، فكان منهم ابنه يام الذي انعزل وحده، وامرأة نوح، وكانت كافرة بالله ورسوله، وقوله: { وَمَنْ ءَامَنَ } أي: من قومك { وَمَآ ءَامَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ } أي: نزر يسير، مع طول المدة والمقام بين أظهرهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، فعن ابن عباس: كانوا ثمانين نفساً، منهم نساؤهم، وعن كعب الأحبار: كانوا اثنين وسبعين نفساً. وقيل: كانوا عشرة، وقيل: إنما كان نوح وبنوه الثلاثة: سام وحام ويافث، وكنائنه الأربع: نساء هؤلاء الثلاثة، وامرأة يام، وقيل: بل امرأة نوح كانت معهم في السفينة، وهذا فيه نظر، بل الظاهر أنها هلكت؛ لأنها كانت على دين قومها، فأصابها ما أصابهم؛ كما أصاب امرأة لوط ما أصاب قومها، والله أعلم وأحكم.