التفاسير

< >
عرض

أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ
٥
-هود

تفسير القرآن العظيم

قال ابن عباس: كانوا يكرهون أن يستقبلوا السماء بفروجهم وحال وقاعهم، فأنزل الله هذه الآية، رواه البخاري من طريق ابن جريج عن محمد بن عباد بن جعفر: أن ابن عباس قرأ: "ألا إنهم تثنوني صدورهم" الآية فقلت: يا أبا العباس ما تثنوني صدورهم؟ قال: الرجل كان يجامع امرأته فيستحي، أو يتخلى فيستحي، فنزلت: "ألا إنهم تثنوني صدورهم". وفي لفظ آخر له قال ابن عباس: أناس كانوا يستحيون أن يتخلوا فيفضوا إلى السماء، وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء، فنزل ذلك فيهم، ثم قال: حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا عمرو قال: قرأ ابن عباس: "ألا إنهم تثنوني صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم".

قال البخاري: وقال غيره عن ابن عباس: { يَسْتَغْشُونَ }: يغطون رؤوسهم، وقال ابن عباس في رواية أخرى في تفسير هذه الآية: يعني به: الشك في الله وعمل السيئات. وكذا روي عن مجاهد والحسن وغيرهم أي: إنهم كانوا يثنون صدورهم إذا قالوا شيئاً أو عملوه، فيظنون أنهم يستخفون من الله بذلك، فأخبرهم الله تعالى أنهم حين يستغشون ثيابهم عند منامهم في ظلمة الليل { يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ } من القول { وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } أي: يعلم ما تكن صدورهم من النيات والضمائر والسرائر، وما أحسن ما قال زهير بن أبي سلمى في معلقته المشهورة:

فلا تَكْتُمُنَّ الله مَا في قُلوبِكُمْلِيَخْفَى ومَهْما يُكْتَمِ الله يَعْلَمِ
يُؤَخَّرْ فَيُوضَعْ في كِتابٍ فَيُدَّخَرْلِيَومِ حِسابٍ أَو يُعَجَّلْ فَيُنْقَمِ

فقد اعترف هذا الشاعر الجاهلي بوجود الصانع، وعلمه بالجزئيات، وبالمعاد وبالجزاء، وبكتابة الأعمال في الصحف ليوم القيامة، وقال عبد الله بن شداد: كان أحدهم إذا مر برسول الله ثنى عنه صدره، وغطى رأسه، فأنزل الله ذلك، وعود الضمير إلى الله أولى لقوله: { أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } وقرأ ابن عباس: (ألا إنهم تثنوني صدورهم)، برفع الصدور على الفاعلية، وهو قريب المعنى.