التفاسير

< >
عرض

قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِيۤ إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ
٨٠
قَالُواْ يٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوۤاْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلْلَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍ
٨١
-هود

تفسير القرآن العظيم

يقول تعالى مخبراً عن نبيه لوط عليه السلام: إن لوطاً توعدهم بقوله: { لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً } الآية، أي: لكنت نكلت بكم، وفعلت بكم الأفاعيل بنفسي وعشيرتي، ولهذا ورد في الحديث من طريق محمد بن عمرو بن علقمة بن أبي سلمة عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رحمة الله على لوط، لقد كان يأوي إِلى ركن شديد - يعني: الله عز وجل - فما بعث الله بعده من نبي إِلا في ثروة من قومه" فعند ذلك أخبرته الملائكة أنهم رسل الله إِليهم، وأنهم لا وصول لهم إليه { قَالُواْ يٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوۤاْ إِلَيْكَ } وأمروه أن يسري بأهله من آخر الليل، وأن يتبع أدبارهم، أي: يكون ساقة لأهله { وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ } أي: إِذا سمعت ما نزل بهم ولا تهولنكم تلك الأصوات المزعجة، ولكن استمروا ذاهبين { إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ } قال الأكثرون: هو استثناء من المثبت، وهو قوله: { فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ } تقديره: { إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ } وكذلك قرأها ابن مسعود، ونصب هؤلاء امرأتك لأنه من مثبت، فوجب نصبه عندهم، وقال آخرون من القراء والنحاة: هو استثناء من قوله: { وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ } فجوزوا الرفع والنصب.

وذكر هؤلاء أنها خرجت معهم، وأنها لما سمعت الوجبة، التفتت، وقالت: واقوماه فجاءها حجر من السماء، فقتلها، ثم قربوا له هلاك قومه تبشيراً له؛ لأنه قال لهم: أهلكوهم الساعة، فقالوا: { إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍ } هذا وقوم لوط وقوف على الباب عكوف قد جاؤوا يهرعون إِليه من كل جانب، ولوط واقف على الباب يدافعهم ويردعهم، وينهاهم عما هم فيه، وهم لا يقبلون منه، بل يتوعدونه ويتهددونه، فعند ذلك خرج عليهم جبريل عليه السلام، فضرب وجوههم بجناحه، فطمس أعينهم، فرجعوا وهم لا يهتدون الطريق؛ كما قال تعالى: { { وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ } [القمر: 37] الآية وقال معمر عن قتادة عن حذيفة بن اليمان قال: كان إِبراهيم عليه السلام يأتي قوم لوط، فيقول: أنهاكم الله أن تعرضوا لعقوبته، فلم يطيعوه، حتى إِذا بلغ الكتاب أجله، انتهت الملائكة إِلى لوط، وهو يعمل في أرض له، فدعاهم إِلى الضيافة، فقالوا: إِنا ضيوفك الليلة، وكان الله قد عهد إِلى جبريل ألا يعذبهم حتى يشهد عليهم لوط ثلاث شهادات، فلما توجه بهم لوط إلى الضيافة، ذكر ما يعمل قومه من الشر، فمشى معهم ساعة، ثم التفت إِليهم فقال: أما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية؟ ما أعلم على وجه الأرض شراً منهم، أين أذهب بكم؟ إِلى قومي، وهم أشر خلق الله، فالتفت جبريل إِلى الملائكة، فقال: احفظوها، هذه واحدة، ثم مشى معهم ساعة، فلما توسط القرية، وأشفق عليهم، واستحيا منهم، قال: أما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية؟ ما أعلم على وجه الأرض أشر منهم، إن قومي أشر خلق الله، فالتفت جبريل إِلى الملائكة فقال احفظوها، هاتان اثنتان، فلما انتهى إِلى باب االدار، بكى حياء منهم وشفقة عليهم، فقال: إِن قومي أشر خلق الله؟ أما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية؟ ما أعلم على وجه الأرض أهل قرية شراً منهم.

فقال جبريل للملائكة: احفظوا، هذه ثلاث، قد حق العذاب. فلما دخلوا، ذهبت عجوز السوء، فصعدت، فلوحت بثوبها، فأتاها الفساق يهرعون سراعاً، قالوا: ما عندك؟ قالت: ضَيَّف لوط قوماً ما رأيت قط أحسن وجوهاً منهم، ولا أطيب ريحاً منهم، فهرعوا يسارعون إِلى الباب، فعالجهم لوط على الباب، فدافعوه طويلاً، وهو داخل وهم خارج، يناشدهم الله ويقول: { هَـٰؤُلاۤءِ بَنَاتِى هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } فقام الملك فلز بالباب - يقول: فشده - واستأذن جبريل في عقوبتهم، فأذن الله له، فقام في الصورة التي يكون فيها في السماء، فنشر جناحه - ولجبريل جناحان - وعليه وشاح من در منظوم، وهو براق الثنايا أجلى الجبين، ورأسه حُبُك حبك مثل المرجان، وهو اللؤلؤ كأنه الثلج، ورجلاه إلى الخضرة فقال: يا لوط { إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوۤاْ إِلَيْكَ } امض يا لوط عن الباب، ودعني وإِياهم، فتنحى لوط عن الباب،فخرج إِليهم فنشر جناحه، فضرب به وجوههم ضربة شدخ أعينهم، فصاروا عمياً لا يعرفون الطريق، ثم أمر لوط، فاحتمل بأهله في ليلته قال: { فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلَّيْلِ } وروي عن محمد بن كعب وقتادة والسدي نحو هذا.