التفاسير

< >
عرض

قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ
٨٩
قَالُوۤاْ أَءِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِي قَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَآ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ
٩٠
قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ
٩١
قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ
٩٢
-يوسف

تفسير القرآن العظيم

يقول تعالى مخبراً عن يوسف عليه السلام: أنه لما ذكر له إخوته ما أصابهم من الجهد والضيق وقلة الطعام وعموم الجدب، وتذكر أباه، وما هو فيه من الحزن؛ لفقد ولديه، مع ما هو فيه من الملك والتصرف والسعة، فعند ذلك أخذته رقة ورأفة ورحمة وشفقة على أبيه وإخوته، وبدره البكاء، فتعرف إليهم، فيقال: إنه رفع التاج عن جبهته، وكان فيها شامة، وقال: { هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ } يعني: كيف فرقوا بينه وبين أخيه { إِذْ أَنتُمْ جَـٰهِلُونَ } أي: إنما حملكم على هذا، الجهل بمقدار هذا الذي ارتكبتموه؛ كما قال بعض السلف: كل من عصى الله فهو جاهل، وقرأ: { { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَـٰلَةٍ } [النحل: 119] الآية، والظاهر - والله أعلم - أن يوسف عليه السلام إنما تعرف إليهم بنفسه بإذن الله تعالى له في ذلك، كما أنه إنما أخفى منهم نفسه في المرتين الأوليين بأمر الله تعالى له في ذلك، والله أعلم. ولكن لما ضاق الحال، واشتد الأمر، فرج الله تعالى من ذلك الضيق، كما قال تعالى: { { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } [الشرح:5-6] فعند ذلك قالوا: { أَءِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ } وقرأ أبي بن كعب: (إنك لأنت يوسف)، وقرأ ابن محيصن: (لأنت يوسف) والقراءة المشهورة هي الأولى؛ لأن الاستفهام يدل على الاستعظام، أي: إنهم تعجبوا من ذلك؛ أنهم يترددون إليه من سنتين وأكثر، وهم لا يعرفونه، وهو مع هذا يعرفهم ويكتم نفسه، فلهذا قالوا على سبيل الاستفهام: { أَءِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِى }.

وقوله: { قَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَآ } أي: بجمعه بيننا بعد التفرقة وبعد المدة { إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ ٱللَّهُ عَلَيْنَا } الآية، يقولون معترفين له بالفضل والأثرة عليهم في الخلق والخلق، والسعة والملك والتصرف والنبوة أيضاً، على قول من لم يجعلهم أنبياء، وأقروا له بأنهم أساؤوا إليه وأخطأوا في حقه { قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ } يقول: أي: لا تأنيب عليكم، ولا عتب عليكم اليوم، ولا أعيد عليكم ذنبكم في حقي بعد اليوم، ثم زادهم الدعاء لهم بالمغفرة، فقال: { يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَٰحِمِينَ } قال السدي: اعتذروا إلى يوسف، فقال: { لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ } يقول: لا أذكر لكم ذنبكم. وقال ابن إسحاق والثوري: { لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ } أي: لا تأنيب عليكم اليوم عندي فيما صنعتم، { يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ } أي: يستر الله عليكم فيما فعلتم { وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَٰحِمِينَ }.