التفاسير

< >
عرض

وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ بَلَىٰ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلْنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
٣٨
لِيُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ
٣٩
إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
٤٠
-النحل

تفسير القرآن العظيم

يقول تعالى مخبراً عن المشركين: أنهم حلفوا فأقسموا بالله جهد أيمانهم، أي: اجتهدوا في الحلف، وغلظوا الأيمان على أنه لا يبعث الله من يموت، أي: استبعدوا ذلك، وكذبوا الرسل في إخبارهم لهم بذلك، وحلفوا على نقيضه، فقال تعالى مكذبا لهم، وراداً عليهم { بَلَىٰ } أي: بلى سيكون ذلك { وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا } أي: لا بد منه { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } أي: فلجهلهم يخالفون الرسل، ويقعون في الكفر، ثم ذكر تعالى حكمته في المعاد وقيام الأجساد يوم التناد، فقال: { لِيُبَيِّنَ لَهُمْ } أي: للناس { ٱلَّذِى يَخْتَلِفُونَ فِيهِ } أي: من كل شيء { { لِيَجْزِىَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِى ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِٱلْحُسْنَى } [النجم: 31] { وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَـٰذِبِينَ } أي: في أيمانهم وأقسامهم لا يبعث الله من يموت، ولهذا يدعون يوم القيامة إلى نار جهنم دعاً، وتقول لهم الزبانية: { { هَـٰذِهِ ٱلنَّارُ ٱلَّتِى كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ أَفَسِحْرٌ هَـٰذَا أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ ٱصْلَوْهَا فَٱصْبِرُوۤاْ أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [الطور:14-16] ثم أخبر تعالى عن قدرته على ما يشاء، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وإنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، والمعاد من ذلك، إذا أراد كونه، فإنما يأمر به مرة واحدة، فيكون كما يشاء، كقوله: { { وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَٰحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِٱلْبَصَرِ } [القمر: 50] وقال: { { مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَٰحِدَةٍ } [لقمان: 28] وقال: في هذه الآية الكريمة: { إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَىْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } أي: أن نأمر به مرة واحدة، فإذا هو كائن، كما قال الشاعر:

إذا ما أرادَ اللهاُ أَمْراً فَإِنَّمايقولُ لَهُ كُنْ كائِناً فَيَكونُ

أي: إنه تعالى لا يحتاج إلى تأكيد فيما يأمر به، فإنه تعالى لا يمانع ولا يخالف، لأنه الواحد القهار العظيم الذي قهر سلطانه وجبروته وعزته كل شيء، فلا إله إلا هو، ولا رب سواه، وقال ابن أبي حاتم: ذكر الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا حجاج عن ابن جريج، أخبرني عطاء: أنه سمع أبا هريرة يقول: قال الله تعالى: شتمني ابن آدم، ولم يكن ينبغي له ذلك، وكذبني ابن آدم ولم يكن ينبغي له ذلك، فأما تكذيبه إياي، فقال: { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَـٰنِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ } قال: وقلت: { بَلَىٰ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلْنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } وأما شتمه إياي: فقال: { { إِنَّ ٱللَّهَ ثَـٰلِثُ ثَلَـٰثَةٍ } [المائدة: 73] وقلت: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } [الإخلاص:1-4]. هكذا ذكره موقوفاً، وهو في الصحيحين مرفوعاً بلفظ آخر.