التفاسير

< >
عرض

وَٱصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي
٤١
ٱذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي
٤٢
ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ
٤٣
فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ
٤٤
-طه

تفسير القرآن العظيم

يقول تعالى مخاطباً لموسى عليه السلام: إنه لبث مقيماً في أهل مدين فاراً من فرعون وملئه، يرعى على صهره حتى انتهت المدة وانقضى الأجل، ثم جاء موافقاً لقدر الله وإرادته من غير ميعاد، والأمر كله لله تبارك وتعالى، وهو المسير عباده وخلقه فيما يشاء، ولهذا قال: { ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يٰمُوسَىٰ } قال مجاهد: أي: على موعد. وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله: { ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يٰمُوسَىٰ } قال: على قدر الرسالة والنبوة. وقوله: { وَٱصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِى } أي: اصطفيتك واجتبيتك رسولاً لنفسي، أي: كما أريد وأشاء. وقال البخاري عند تفسيرها: حدثنا الصلت بن محمد، حدثنا مهدي بن ميمون، حدثنا محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "التقى آدم وموسى، فقال موسى: أنت الذي أشقيت الناس وأخرجتهم من الجنة، فقال آدم: وأنت الذي اصطفاك الله برسالته واصطفاك لنفسه وأنزل عليك التوراة؟ قال: نعم، قال: فوجدته مكتوباً عليّ قبل أن يخلقني؟ قال: نعم، فحج آدم موسى" أخرجاه.

وقوله: { ٱذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِـآيَـٰتِى } أي: بحججي وبراهيني ومعجزاتي { وَلاَ تَنِيَا فِى ذِكْرِى } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: لا تبطئا، وقال مجاهد عن ابن عباس: لا تضعفا، والمراد أنهما لا يفتران في ذكر الله، بل يذكران الله في حال مواجهة فرعون، ليكون ذكر الله عوناً لهما عليه، وقوة لهما وسلطاناً كاسراً له، كما جاء في الحديث: "إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني وهو مناجز قرنه" . وقوله: { ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } أي: تمرد وعتا وتجبر على الله وعصاه { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } هذه الآية فيها عبرة عظيمة، وهو أن فرعون في غاية العتو والاستكبار، وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع هذا أمر أن لا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين؛ كما قال يزيد الرقاشي عند قوله: { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً }:

يا مَنْ يَتَحَبَّب إلى من يعاديه فَكَيْفَ بمَنْ يتولاّه ويُناديه؟

وقال وهب بن منبه: قولا له: إني إلى العفو والمغفرة أقرب مني إلى الغضب والعقوبة. وعن عكرمة في قوله: { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً } قال: لا إله إلا الله، وقال عمرو بن عبيد عن الحسن البصري { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً } أعذرا إليه، قولا له: إن لك رباً، ولك معاداً، وإن بين يديك جنة وناراً، وقال بقية عن علي بن هارون عن رجل عن الضحاك بن مزاحم عن النزال بن سبرة عن علي في قوله: { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً } قال: كَنَهِ، وكذا روي عن سفيان الثوري: كَنِّهِ بأبي مرة، والحاصل من أقوالهم أن دعوتهما له تكون بكلام رقيق لين سهل رفيق؛ ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع؛ كما قال تعالى: { { ٱدْعُ إِلِىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَـٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } [النحل: 125].

وقوله: { لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } أي: لعله يرجع عما هو فيه من الضلال والهلكة، { أو يخشى }، أي: يوجد طاعة من خشية ربه، كما قال تعالى: { لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ يَخْشَىٰ } فالتذكر: الرجوع عن المحذور، والخشية: تحصيل الطاعة، وقال الحسن البصري: { لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } يقول: لا تقل أنت يا موسى وأخوك هارون: أهلكه قبل أن أعذر إليه، وههنا نذكر شعر زيد بن عمرو بن نفيل، ويروى لأمية بن أبي الصلت فيما ذكره ابن إسحاق:

وأنتَ الذي من فَضْل مَنّ ورحمةٍبعثتَ إلى موسى رسولاً مُناديا
فقلت لهُ: فاذهبْ وهارونَ فادعُوَاإلى الله فرعونَ الذي كان باغيا
فقولا له: هل أنتَ سَوَّيْتَ هذهِبلا وَتِدٍ حتى استقلَّتْ كما هِيا؟
وقولا له: آأنْتَ رَفَّعْتَ هذهبلا عَمَدٍ؟ أرفقْ إذنَ بكَ بانِيا؟
وقولا له: آأنْتَ سوَّيْتَ وسطَهامُنيراً إذا ما جنَّهُ الليلُ هاديا؟
وقولا له: مَنْ يخرجُ الشمسَ بكرةًفيصبحُ ما مَسَّت من الأرضِ ضاحِيا؟
وقولا له: من ينبتُ الحَبَّ في الثَّرَىفيصبحُ منهُ البقلُ يهتز رابِيا
ويخرجُ منهُ حبه في رؤوسِهِ؟ففي ذاك آياتٌ لمنْ كانَ واعيا

وقوله عز وجل: