التفاسير

< >
عرض

قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ
٦٥
قَالَ بَلْ أَلْقُواْ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ
٦٦
فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ
٦٧
قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلأَعْلَىٰ
٦٨
وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوۤاْ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ
٦٩
فَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوۤاْ آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ
٧٠
-طه

تفسير القرآن العظيم

يقول تعالى مخبراً عن السحرة حين توافقوا هم وموسى عليه السلام، أنهم قالوا لموسى: { إِمَّآ أَن تُلْقِىَ } أي: أنت أولاً { ؛ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ قَالَ بَلْ أَلْقُواْ } أي: أنتم أولاً؛ لنرى ماذا تصنعون من السحر، وليظهر للناس جلية أمرهم { فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ } وفي الآية الأخرى أنهم لما ألقوا، { { وَقَالُواْ بِعِزَّةِ فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ ٱلْغَـٰلِبُونَ } [الشعراء: 44] وقال تعالى: { { سَحَرُوۤاْ أَعْيُنَ ٱلنَّاسِ وَٱسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَآءُو بِسِحْرٍ عَظِيمٍ } [الأعراف: 116] وقال ههنا: { فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ } وذلك أنهم أودعوها من الزئبق ما كانت تتحرك بسببه وتضطرب وتميد، بحيث يخيل للناظر أنها تسعى باختيارها، وإنما كان حيلة، وكانوا جماً غفيراً وجمعاً كثيراً، فألقى كل منهم عصاً وحبلاً حتى صار الوادي ملآن حيات يركب بعضها بعضاً.

وقوله: { فَأَوْجَسَ فِى نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ } أي: خاف على الناس أن يفتنوا بسحرهم، ويغتروا بهم قبل أن يلقي ما في يمينه، فأوحى الله تعالى إليه في الساعة الراهنة أن ألقِ ما في يمينك، يعني: عصاك، فإذا هي تلقف ما صنعوا، وذلك أنها صارت تنيناً عظيماً هائلاً ذا قوائم وعنق ورأس وأضراس، فجعلت تتبع تلك الحبال والعصي، حتى لم تبق منها شيئاً إلا تلقفته وابتلعته، والسحرة والناس ينظرون إلى ذلك عياناً جهرة نهاراً ضحوة، فقامت المعجزة واتضح البرهان، ووقع الحق وبطل السحر، ولهذا قال تعالى: { إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّـٰحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ } وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا محمد بن موسى الشيباني، حدثنا حماد بن خالد، حدثنا ابن معاذ، أحسبه الصائغ، عن الحسن عن جندب بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا أخذتم، يعني: الساحر فاقتلوه، ثم قرأ: { وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّـٰحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ } قال: لا يؤمن به حيث وجد" وقد روى أصله الترمذي موقوفاً ومرفوعاً. فلما عاين السحرة ذلك وشاهدوه، ولهم خبرة بفنون السحر وطرقه ووجوهه، علموا علم اليقين أن هذا الذي فعله موسى ليس من قبيل السحر والحيل، وأنه حق لا مرية فيه، ولا يقدر على هذا إلا الذي يقول للشيء: كن فيكون، فعند ذلك وقعوا سجداً لله، وقالوا: آمنا برب العالمين، رب موسى وهارون، ولهذا قال ابن عباس وعبيد بن عمير: كانوا أول النهار سحرة، وفي آخر النهار شهداء بررة. وقال محمد بن كعب: كانوا ثمانين ألفاً، وقال القاسم بن أبي بزة: كانوا سبعين ألفاً، وقال السدي: بضعة وثلاثين ألفاً، وقال الثوري عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي ثمامة: كان سحرة فرعون تسعة عشر ألفاً، وقال محمد بن إسحاق: كانوا خمسة عشر ألفاً، وقال كعب الأحبار: كانوا اثني عشر ألفاً.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا محمد بن علي بن حمزة، حدثنا علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال: كانت السحرة سبعين رجلاً، أصبحوا سحرة، وأمسوا شهداء. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا المسيب بن واضح بمكة، حدثنا ابن المبارك قال: قال الأوزاعي: لما خر السحرة سجداً، رفعت لهم الجنة حتى نظروا إليها، قال: وذكر عن سعيد بن سلام، حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن سليمان عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير قوله: { فَأُلْقِىَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّداً } قال: رأوا منازلهم تبنى لهم وهم في سجودهم، وكذا قال عكرمة والقاسم بن أبي بزة.