التفاسير

< >
عرض

ومِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ
٨
ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ
٩
ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّٰمٍ لِّلعَبِيدِ
١٠
-الحج

تفسير القرآن العظيم

لما ذكر تعالى حال الضلال الجهال المقلدين في قوله: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَـٰدِلُ فِى ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَـٰنٍ مَّرِيدٍ } ذكر في هذه حال الدعاة إلى الضلال من رؤوس الكفر والبدع فقال: { ومِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَـٰدِلُ فِى ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَـٰبٍ مُّنِيرٍ } أي: بلا عقل صحيح، ولا نقل صحيح صريح، بل بمجرد الرأي والهوى. وقوله: { ثَانِىَ عِطْفِهِ } قال ابن عباس وغيره: مستكبراً عن الحق إذا دعي إليه، وقال مجاهد وقتادة ومالك عن زيد بن أسلم: { ثَانِىَ عِطْفِهِ } أي: لاوي عنقه، وهي رقبته، يعني: يعرض عما يدعى إليه من الحق، ويثني رقبته استكباراً؛ كقوله تعالى: { { وَفِى مُوسَىٰ إِذْ أَرْسَلْنَـٰهُ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ بِسُلْطَـٰنٍ مُّبِينٍ فَتَوَلَّىٰ بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَـٰحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } [الذاريات: 38 - 39] الآية، وقال تعالى: { { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ رَأَيْتَ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً } [النساء: 61] وقال تعالى: { { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ لَوَّوْاْ رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ } [المنافقون: 5] وقال لقمان لابنه: { { وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ } [لقمان: 18] أي: تميله عنهم استكباراً عليهم، وقال تعالى: { { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ءَايَـٰتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِىۤ أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [لقمان: 7] الآية.

وقوله: { لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } قال بعضهم: هذه لام العاقبة؛ لأنه قدلا يقصد ذلك، ويحتمل أن تكون لام التعليل. ثم إما أن يكون المراد بها المعاندين، أو يكون المراد بها أن هذا الفاعل لهذا، إنما جبلناه على هذا الخلق الدنيء لنجعله ممن يضل عن سبيل الله. ثم قال تعالى: { لَهُ فِى ٱلدُّنْيَا خِزْىٌ } وهو الإهانة والذل، كما أنه لما استكبر عن آيات الله، لقاه الله المذلة في الدنيا، وعاقبه فيها قبل الآخرة؛ لأنها أكبر همه ومبلغ علمه، { وَنُذِيقُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ } أي: يقال له هذا تقريعاً وتوبيخاً، { وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّـٰمٍ لِّلْعَبِيدِ } كقوله تعالى: { { خُذُوهُ فَٱعْتِلُوهُ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ ٱلْحَمِيم ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ إِنَّ هَـٰذَا مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ } [الدخان: 47 - 50]. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن الصباح، حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا هشام عن الحسن قال: بلغني أن أحدهم يحرق في اليوم سبعين ألف مرة.