التفاسير

< >
عرض

قَالَ ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ
١٠٨
إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّاحِمِينَ
١٠٩
فَٱتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ
١١٠
إِنِّي جَزَيْتُهُمُ ٱلْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوۤاْ أَنَّهُمْ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ
١١١
-المؤمنون

تفسير القرآن العظيم

هذا جواب من الله تعالى للكفار إذا سألوا الخروج من النار والرجعة إلى هذه الدار. يقول: { ٱخْسَئُواْ فِيهَا } أي: امكثوا فيها صاغرين مهانين أذلاء، { وَلاَ تُكَلِّمُونِ } أي: لا تعودوا إلى سؤالكم هذا؛ فإنه لا جواب لكم عندي. قال العوفي عن ابن عباس: { ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } قال: هذا قول الرحمن حين انقطع كلامهم منه. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبدة بن سليمان المروزي، حدثنا عبد الله بن المبارك عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو قال: إن أهل جهنم يدعون مالكاً، فلا يجيبهم أربعين عاماً، ثم يرد عليهم: إنكم ماكثون، قال: هانت دعوتهم والله على مالك، ورب مالك، ثم يدعون ربهم فيقولون: { قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَآلِّينَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَـٰلِمُونَ } قال: فيسكت عنهم قدر الدنيا مرتين، ثم يرد عليهم: { ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } قال: فوالله ما نبس القوم بعدها بكلمة واحدة، وما هو إلا الزفير والشهيق في نار جهنم، قال: فشبهت أصواتهم بأصوات الحمير، أولها زفير، وآخرها شهيق.

وقال ابن أبي حاتم أيضاً: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل، حدثنا أبو الزعراء قال: قال عبد الله بن مسعود: إذا أراد الله تعالى أن لا يخرج منهم أحداً، يعني: من جهنم، غير وجوههم وألوانهم، فيجيء الرجل من المؤمنين، فيشفع فيقول: يا رب فيقول الله: من عرف أحداً فليخرجه، فيجيء الرجل من المؤمنين فينظر فلا يعرف أحداً، فيناديه الرجل: يا فلان أنا فلان، فيقول: ما أعرفك، قال: فعند ذلك يقولون: { رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَـٰلِمُونَ } فعند ذلك يقول الله تعالى: { ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } فإذا قال ذلك، أطبقت عليهم النار، فلا يخرج منهم أحد.

ثم قال تعالى مذكراً لهم بذنوبهم في الدنيا، وما كانوا يستهزئون بعباده المؤمنين وأوليائه، فقال تعالى: { إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِى يَقُولُونَ رَبَّنَآ ءَامَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَٰحِمِينَ فَٱتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً } أي: فسخرتم منهم في دعائهم إياي، وتضرعهم إلي، { حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِى } أي: حملكم بغضهم على أن نسيتم معاملتي، { وَكُنْتُمْ مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ } أي: من صنيعهم وعبادتهم، كما قال تعالى: { { إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ } [المطففين: 29 ــــ 30] أي: يلمزونهم استهزاء: ثم أخبر تعالى عما جازى به أولياءه وعباده الصالحين، فقال تعالى: { إِنِّى جَزَيْتُهُمُ ٱلْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوۤاْ } أي: على أذاكم لهم، واستهزائكم بهم { أَنَّهُمْ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ } بالسعادة والسلامة والجنة والنجاة من النار.