التفاسير

< >
عرض

تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً
١
ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً
٢
-الفرقان

تفسير القرآن العظيم

يقول تعالى حامداً لنفسه الكريمة على ما نزله على رسوله الكريم من القرآن العظيم؛ كما قال تعالى: { { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَـٰبَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا } [الكهف: 1 ــــ 2] الآية، وقال ههنا: { تَبَارَكَ } وهو تفاعل، من البركة المستقرة الثابتة الدائمة { ٱلَّذِى نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ } (نزّل) فعّل من التكرر والتكثر، كقوله: { { وَٱلْكِتَـٰبِ ٱلَّذِى نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَٱلْكِتَـٰبِ ٱلَّذِىۤ أَنَزلَ مِن قَبْلُ } [النساء: 136] لأن الكتب المتقدمة كانت تنزل جملة واحدة، والقرآن نزل منجماً مفرقاً مفصلاً، آيات بعد آيات، وأحكاماً بعد أحكام، وسوراً بعد سور، وهذا أشد وأبلغ، وأشد اعتناء بمن أنزل عليه، كما قال في أثناء هذه السورة: { { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْءَانُ جُمْلَةً وَٰحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَـٰكَ بِٱلْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً } [الفرقان: 32 ــــ 33] ولهذا سماه ههنا الفرقان؛ لأنه يفرق بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والغي والرشاد، والحلال والحرام.

وقوله: { عَلَىٰ عَبْدِهِ } هذه صفة مدح وثناء؛ لأنه أضافه إلى عبوديته، كما وصفه بها في أشرف أحواله، وهي ليلة الإسراء، فقال: { { سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً } [الإسراء: 1]، وكما وصفه بذلك في مقام الدعوة إليه: { { وَأَنَّهُ لَّمَا قَامَ عَبْدُ ٱللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيهِ لِبَداً } [الجن: 19] وكذلك وصفه عند إنزال الكتاب عليه، ونزول الملك إليه، فقال: { تَبَارَكَ ٱلَّذِى نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَـٰلَمِينَ نَذِيراً }. وقوله: { لِيَكُونَ لِلْعَـٰلَمِينَ نَذِيراً } أي: إنما خصه بهذا الكتاب المفصل العظيم المبين المحكم الذي { { لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَـٰطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِه تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [فصلت: 42] الذي جعله فرقاناً عظيماً، إنما خصه به؛ ليخصه بالرسالة إلى من يستظل بالخضراء، ويستقل على الغبراء؛ كما قال صلى الله عليه وسلم "بعثت إلى الأحمر والأسود" وقال: " إني أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي" فذكر منهن: أنه "كان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة" كما قال تعالى: { { قُلْ يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّى رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } [الأعراف: 158] الآية، أي: الذي أرسلني هو مالك السموات والأرض، الذي يقول للشيء: كن، فيكون، وهو الذي يحيي ويميت، وهكذا قال ههنا: { ٱلَّذِى لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِى المُلْكِ } ونزه نفسه عن الولد وعن الشريك. ثم أخبر أنه { وَخَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً } أي: كل شيء مما سواه مخلوق مربوب، وهو خالق كل شيء وربه ومليكه وإلهه، وكل شيء تحت قهره وتدبيره وتسخيره وتقديره.