التفاسير

< >
عرض

طسۤمۤ
١
تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ
٢
نَتْلُواْ عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ بِٱلْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
٣
إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي ٱلأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَآءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ
٤
وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَارِثِينَ
٥
وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَحْذَرُونَ
٦
-القصص

تفسير القرآن العظيم

فقد تقدم الكلام على الحروف المقطعة، وقوله: { تِلْكَ } أي: هذه { ءايَاتُ ٱلْكِتَـٰبِ ٱلْمُبِينِ } أي: الواضح الجلي، الكاشف عن حقائق الأمور، وعلم ما قد كان، وما هو كائن. وقوله: { نَتْلُواْ عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ بِٱلْحَقِّ } الآية؛ كما قال تعالى: { { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ } [يوسف: 3] أي: نذكر لك الأمر على ما كان عليه، كأنك تشاهد، وكأنك حاضر، ثم قال تعالى: { إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } أي تكبر وتجبر وطغى { وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً } أي: أصنافاً، قد صرف كل صنف فيما يريد من أمور دولته.

وقوله تعالى: { يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مِّنْهُمْ } يعني: بني إسرائيل، وكانوا في ذلك الوقت خيار أهل زمانهم، هذا وقد سلط عليهم هذا الملك الجبار العنيد، يستعملهم في أخس الأعمال، ويكدهم ليلاً ونهاراً في أشغاله وأشغال رعيته، ويقتل مع هذا أبناءهم، ويستحيي نساءهم؛ إهانة لهم، واحتقاراً وخوفاً من أن يوجد منهم الغلام الذي كان قد تخوف هو وأهل مملكته من أن يوجد منهم غلام، يكون سبب هلاكه وذهاب دولته على يديه. وكانت القبط قد تلقوا هذا من بني إسرائيل فيما كانوا يدرسونه من قول إبراهيم الخليل عليه السلام، حين ورد الديار المصرية، وجرى له مع جبارها ما جرى حين أخذ سارة ليتخذها جارية، فصانها الله منه، ومنعه منها بقدرته وسلطانه، فبشر إبراهيم عليه السلام ولده أنه سيولد من صلبه وذريته من يكون هلاك ملك مصر على يديه، فكانت القبط تحدث بهذا عند فرعون، فاحترز فرعون من ذلك، وأمر بقتل ذكور بني إسرائيل، ولن ينفع حذر من قدر؛ لأن أجل الله إذا جاء لا يؤخر، ولكل أجل كتاب، ولهذا قال تعالى: { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِي ٱلأَرْضِ } ــــ إلى قوله ــــ { يَحْذَرُونَ } وقد فعل تعالى ذلك بهم، كما قال تعالى: { وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ } ــــ إلى قوله ــ { يَعْرِشُونَ } [الأعراف: 137]. وقال تعالى: { كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } [الشعراء: 59] أراد فرعون بحوله وقوته أن ينجو من موسىٰ، فما نفعه ذلك مع قدرة الملك العظيم الذي لا يخالف أمره القدري، ولا يغلب، بل نفذ حكمه، وجرى قلمه في القدم بأن يكون هلاك فرعون على يديه، بل يكون هذا الغلام الذي احترزت من وجوده، وقتلت بسببه ألوفاً من الولدان، إنما منشؤه ومرباه على فراشك وفي دارك، وغذاؤه من طعامك، وأنت تربيه وتدلـله وتتفداه، وحتفك وهلاكك وهلاك جنودك على يديه؛ لتعلم أن رب السموات العلا هو القاهر الغالب العظيم القوي العزيز الشديد المحال، الذي ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن.