التفاسير

< >
عرض

فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَآءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ ٱلْقَصَصَ قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ
٢٥
قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يٰأَبَتِ ٱسْتَئْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَئْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ
٢٦
قَالَ إِنِّيۤ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ
٢٧
قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ
٢٨
-القصص

تفسير القرآن العظيم

لما رجعت المرأتان سريعاً بالغنم إلى أبيهما، أنكر حالهما بسبب مجيئهما سريعاً، فسألهما عن خبرهما، فقصتا عليه ما فعل موسى عليه السلام، فبعث إحداهما إليه؛ لتدعوه إلى أبيها، قال الله تعالى: { فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍ } أي: مشي الحرائر؛ كما روي عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: أنه قال: كانت مستترة بكم درعها. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو نعيم، حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قال: قال عمر رضي الله عنه: جاءت تمشي على استحياء، قائلة بثوبها على وجهها، ليست بسلفع خراجة ولاجة. هذا إسناد صحيح. قال الجوهري: السلفع من الرجال: الجسور، ومن النساء: الجرئية السليطة، ومن النوق: الشديدة. { قَالَتْ إِنَّ أَبِى يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا } وهذا تأدب في العبارة، لم تطلبه طلباً مطلقاً؛ لئلا يوهم ريبة، بل قالت: إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا، يعني: ليثيبك ويكافئك على سقيك لغنمنا، { فَلَمَّا جَآءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ ٱلْقَصَصَ } أي: ذكر له ما كان من أمره، وما جرى له من السبب الذي خرج من أجله من بلده، { قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ } يقول: طب نفساً، وقر عيناً، فقد خرجت من مملكتهم، فلا حكم لهم في بلادنا، ولهذا قال: { نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ }.

وقد اختلف المفسرون في هذا الرجل من هو؟ على أقوال: أحدها أنه شعيب النبي عليه السلام الذي أرسل إلى أهل مدين، وهذا هو المشهور عند كثير من العلماء، وقد قاله الحسن البصري وغير واحد، ورواه ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبد العزيز الأويسي، حدثنا مالك بن أنس: أنه بلغه أن شعيباً هو الذي قص عليه موسى القصص، قال: { لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ }. وقد روى الطبراني عن سلمة بن سعد العنزي: أنه وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: "مرحباً بقوم شعيب، وأختان موسى، هديت" وقال آخرون: بل كان ابن أخي شعيب. وقيل: رجل مؤمن من قوم شعيب. وقال آخرون: كان شعيب قبل زمان موسى عليه السلام بمدة طويلة؛ لأنه قال لقومه: { { وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ } [هود: 89] وقد كان هلاك قوم لوط في زمن الخليل عليه السلام بنص القرآن، وقد علم أنه كان بين الخليل وموسى عليهما السلام مدة طويلة تزيد على أربعمائة سنة، كما ذكره غير واحد. وما قيل إن شعيباً عاش مدة طويلة، إنما هو ــــ والله أعلم ــــ احتراز من هذا الإشكال، ثم من المقوي لكونه ليس بشعيب: أنه لو كان إياه، لأوشك أن ينص على اسمه في القرآن ههنا، وما جاء في بعض الأحاديث من التصريح بذكره في قصة موسى لم يصح إسناده، كما سنذكره قريباً إن شاء الله، ثم من الموجود في كتب بني إسرائيل أن هذا الرجل اسمه ثيرون، والله أعلم. قال أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود: ثيرون هو ابن أخي شعيب عليه السلام، وعن أبي حمزة عن ابن عباس قال: الذي استأجر موسى يثرى صاحب مدين، رواه ابن جرير به، ثم قال: الصواب أن هذا لا يدرك إلا بخبر، ولا خبر تجب به الحجة في ذلك.

وقوله تعالى: { قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يٰأَبَتِ ٱسْتَـئْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَـئْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ } أي: قالت إحدى ابنتي هذا الرجل، قيل: هي التي ذهبت وراء موسى عليه السلام، قالت لأبيها: { يٰأَبَتِ ٱسْتَـئْجِرْهُ } أي: لرعية هذه الغنم. قال عمر وابن عباس وشريح القاضي وأبو مالك وقتادة ومحمد بن إسحاق وغير واحد: لما قالت: { إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَـئْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ } قال لها أبوها: وما علمك بذلك؟ قالت له: إنه رفع الصخرة التي لا يطيق حملها إلاَّ عشرة رجال، وإني لما جئت معه، تقدمت أمامه، فقال لي: كوني من ورائي، فإذا اختلفت علي الطريق، فاحذفي لي بحصاة أعلم بها كيف الطريق؛ لأهتدي إليه. وقال سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله، هو ابن مسعود، قال: أفرس الناس ثلاثة: أبو بكر حين تفرس في عمر، وصاحب يوسف حين قال: أكرمي مثواه، وصاحبة موسى حين قالت: { يٰأَبَتِ ٱسْتَـئْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَـئْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ }. قال: { إِنِّىۤ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ هَاتَيْنِ } أي: طلب إليه هذا الرجل الشيخ الكبير أن يرعى غنمه، ويزوجه إحدى ابنتيه هاتين، قال شعيب الجبائي: وهما صفورا، وليا. وقال محمد بن إسحاق: صفورا، وشرفا، ويقال: ليا

وقد استدل أصحاب أبي حنيفة بهذه الآية على صحة البيع فيما إذا قال: بعتك أحد هذين العبدين بمائة، فقال: اشتريت، أنه يصح، والله أعلم.

وقوله: { عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ } أي: على أن ترعى غنمي ثماني سنين، فإن تبرعت بزيادة سنتين، فهو إليك، وإلا ففي الثمان كفاية، { وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّـٰلِحِينَ } أي: لا أشاقك ولا أؤذيك ولا أماريك، وقد استدلوا بهذه الآية الكريمة لمذهب الأوزاعي فيما إذا قال: بعتك هذا بعشرة نقداً، أو بعشرين نسيئة، أنه يصح، ويختار المشتري بأيهما أخذه صح، وحمل الحديث المروي في "سنن أبي داود": "من باع بيعتين في بيعة، فله أوكسهما، أو الربا" على هذا المذهب، وفي الاستدلال بهذه الآية وهذا الحديث على هذا المذهب نظر، ليس هذا موضع بسطه؛ لطوله، والله أعلم.

ثم قد استدل أصحاب الإمام أحمد ومن تبعهم في صحة استئجار الأجير بالطعمة والكسوة، بهذه الآية، واستأنسوا في ذلك بما رواه أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه في كتابه "السنن" حيث قال: باب استئجار الأجير على طعام بطنه: حدثنا محمد بن المصفي الحمصي، حدثنا بقية بن الوليد عن مسلمة بن علي عن سعيد بن أبي أيوب عن الحارث بن يزيد عن علي بن رباح قال: سمعت عتبة ابن المنذر السلمي يقول: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ طسم، حتى إذا بلغ قصة موسى، قال: "إن موسى آجر نفسه ثماني سنين، أو عشر سنين، على عفة فرجه، وطعام بطنه" وهذا الحديث من هذا الوجه ضعيف؛ لأن مسلمة بن علي، وهو الخشني الدمشقي البلاطي، ضعيف الرواية عند الأئمة، ولكن قد روي من وجه آخر، وفيه نظر أيضاً.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا صفوان، حدثنا الوليد، حدثنا عبد الله بن لهيعة عن الحارث بن يزيد الحضرمي عن علي ابن رباح اللخمي قال: سمعت عتبة بن الندّر السلمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن موسى عليه السلام آجر نفسه بعفة فرجه، وطعمة بطنه" وقوله تعالى إخباراً عن موسى عليه السلام: { قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ } يقول: إن موسى قال لصهره: الأمر على ما قلت من أنك استأجرتني على ثمان سنين، فإن أتممت عشراً، فمن عندي، فأنا متى فعلت أقلهما، فقد برئت من العهد، وخرجت من الشرط، ولهذا قال: { أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ } أي: فلا حرج علي، مع أن الكامل، وإن كان مباحاً، لكنه فاضل من جهة أخرى بدليل من خارج؛ كما قال تعالى: { { فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ } [البقرة: 203] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه، وكان كثير الصيام، وسأله عن الصوم في السفر، فقال: "إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر" مع أن فعل الصيام راجح من دليل آخر، هذا وقد دل الدليل على أن موسى عليه السلام إنما فعل أكمل الأجلين وأتمهما.

وقال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الرحيم، حدثنا سعيد بن سليمان، حدثنا مروان بن شجاع عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير قال: سألني يهودي من أهل الحيرة: أي الأجلين قضى موسى؟ فقلت: لا أدري حتى أقدم على حبر العرب فأسأله، فقدمت على ابن عباس رضي الله عنه فسألته، فقال: قضى أكثرهما وأطيبهما، إن رسول الله إذا قال، فعل، هكذا رواه البخاري، وهكذا رواه حكيم بن جبير وغيره عن سعيد بن جبير، ووقع في حديث الفتون من رواية القاسم بن أبي أيوب عن سعيد بن جبير: أن الذي سأله رجل من أهل النصرانية، والأول أشبه، والله أعلم، وقد روي من حديث ابن عباس مرفوعاً، قال ابن جرير: حدثنا أحمد بن محمد الطوسي، حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثني إبراهيم بن يحيى بن أبي يعقوب عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سألت جبريل: أي الأجلين قضى موسى؟ قال: أتمهما وأكملهما" ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن الحميدي عن سفيان، وهو ابن عيينة: حدثني إبراهيم بن يحيى بن أبي يعقوب، وكان من أسناني، أو أصغر مني، فذكره. وفي إسناده قلب، وإبراهيم هذا ليس بمعروف. ورواه البزار عن أحمد بن أبان القرشي عن سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن أعين عن الحكم بن أبان عن عكرمة، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره، ثم قال: لا نعرفه مرفوعاً عن ابن عباس إلا من هذا الوجه.

ثم قال ابن أبي حاتم: قرىء على يونس بن عبد الأعلى، أنبأنا ابن وهب، أنبأنا عمرو بن الحارث عن يحيى بن ميمون الحضرمي عن يوسف بن تيرح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي الأجلين قضى موسى؟ قال: "لا علم لي" فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل، فقال جبريل: لا علم لي، فسأل جبريل ملكاً فوقه، فقال: لا علم لي، فسأل ذلك الملك ربه عز وجل عما سأله عنه جبريل، عما سأله عنه محمد صلى الله عليه وسلم فقال الرب عز وجل: قضى أبرهما وأبقاهما، أو قال: أزكاهما، وهذا مرسل، وقد جاء مرسلاً من وجه آخر، وقال سنيد: حدثنا حجاج عن ابن جريج قال: قال مجاهد: إن النبي صلى الله عليه وسلم سأل جبريل: أي الأجلين قضى موسى؟ فقال: سوف أسأل إسرافيل، فسأله، فقال: سوف أسأل الرب عز وجل، فسأله فقال: أبرهما وأوفاهما.

(طريق أخرى مرسلة أيضاً) قال ابن جرير: حدثنا ابن وكيع، حدثنا أبي، حدثنا أبو معشر عن محمد بن كعب القرظي قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأجلين قضى موسى؟ قال: "أوفاهما وأتمهما" فهذه طرق متعاضدة، ثم قد روي هذا مرفوعاً من رواية أبي ذر رضي الله عنه. قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا أبو عبيد الله يحيى بن محمد بن السكن، حدثنا إسحاق بن إدريس، حدثنا عويذ بن أبي عمران الجوني عن أبيه عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الأجلين قضى موسى؟ قال: "أوفاهما وأبرهما، قال: وإن سئلت: أي المرأتين تزوج؟ فقل: الصغرى منهما" ثم قال البزار: لا نعلم يروى عن أبي ذر إلاَّ بهذا الإسناد. وقد رواه ابن أبي حاتم من حديث عَوبَد بن أبي عمران، وهو ضعيف.

ثم قد روي أيضاً نحوه من حديث عتبة بن النّدر بزيادة غريبة جداً، فقال أبو بكر البزار: حدثنا عمر بن الخطاب السجستاني، حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا الحارث بن يزيد عن علي بن رباح اللخمي قال: سمعت عتبة بن الندّر يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي الأجلين قضى موسىٰ؟ قال: "أبرهما وأوفاهما" ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن موسى عليه السلام لما أراد فراق شعيب عليه السلام، أمر امرأته أن تسأل أباها أن يعطيها من غنمه ما يعيشون به، فأعطاها ما ولدت غنمه في ذلك العام من قالب لون، قال: فما مرت شاة، إلاَّ ضرب موسى جنبها بعصاه، فولدت قوالب ألوان كلها، وولدت ثنتين وثلاثاً كل شاة ليس فيها فشوش ولا ضبوب، ولا كميشة تفوت الكف، ولا ثغول" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا فتحتم الشام، فإنكم ستجدون بقايا منها، وهي السامرية" هكذا أورده البزار.

وقد رواه ابن أبي حاتم بأبسط من هذا، فقال: حدثنا أبو زرعة، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، حدثني عبد الله ابن لهيعة (ح) وحدثنا أبو زرعة، حدثنا صفوان، أنبأنا الوليد، أنبأنا عبد الله بن لهيعة عن الحارث بن يزيد الحضرمي عن علي بن رباح اللخمي قال: سمعت عتبة بن الندّر السلمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن موسى عليه السلام آجر نفسه بعفة فرجه، وطعمة بطنه، فلما وفى الأجل ــــ قيل: يا رسول الله أي الأجلين؟ قال: ــــ أبرهما وأوفاهما، فلما أراد فراق شعيب، أمر امرأته أن تسأل أباها أن يعطيها من غنمه ما يعيشون به، فأعطاها ما ولدت غنمه من قالب لون من ولد ذلك العام، وكانت غنمه سوداء حسناء، فانطلق موسى عليه السلام إلى عصاه، فسماها من طرفها، ثم وضعها في أدنى الحوض، ثم أوردها فسقاها، ووقف موسى بإزاء الحوض، فلم تصدر منها شاة إلا وضرب جنبها، شاة شاة، قال: فأتأمت وألبنت، ووضعت كلها قوالب ألوان، إلاَّ شاة أو شاتين، ليس فيها فشوش ــــ قال يحيى: ولا ضبوب، وقال صفوان: ولا صبوب، قال أبو زرعة: الصواب طنوب ــــ ولا عزوز، ولا ثعول، ولا كميشة تفوت الكف" قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو افتتحتم الشام، وجدتم بقايا تلك الغنم، وهي السامرية" .

وحدثنا أبو زرعة، أنبأنا صفوان قال: سمعت الوليد قال: سألت ابن لهيعة: ما الفشوش؟ قال: التي تفش بلبنها واسعة الشخب، قلت: فما الضبوب؟ قال: الطويلة الضرع تجره، قلت: فما العزوز؟ قال: ضيقة الشخب. قلت: فما الثعول؟ قال: التي ليس لها ضرع إلا كهيئة حلمتين، قلت: فما الكميشة؟ قال: التي تفوت الكف، كميشة الضرع، صغير لا يدركه الكف. مدار هذا الحديث على عبد الله بن لهيعة المصري، وفي حفظه سوء، وأخشى أن يكون رفعه خطأ، والله أعلم. وينبغي أن يروى: ليس فيها فشوش ولا عزوز ولا ضبوب ولا ثعول ولا كميشة، لتذكر كل صفة ناقصة مع ما يقابلها من الصفات الناقصة، وقد روى ابن جرير من كلام أنس بن مالك موقوفاً عليه ما يقارب بعضه بإِسناد جيد، فقال: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا معاذ بن هشام، حدثنا أبي، حدثنا قتادة، حدثنا أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: لما دعا نبي الله موسى عليه السلام صاحبه إلى الأجل الذي كان بينهما، قال له صاحبه: كل شاة ولدت على غير لونها، فلك ولدها، فعمد موسى فرفع حبالاً على الماء، فلما رأت الخيال فزعت، فجالت جولة، فولدن كلهن بلقاً، إلاَّ شاة واحدة، فذهب بأولادهن كلهن ذلك العام.