التفاسير

< >
عرض

وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَآ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
٨
وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي ٱلصَّالِحِينَ
٩
-العنكبوت

تفسير القرآن العظيم

يقول تعالى آمراً عباده بالإحسان إلى الوالدين، بعد الحث على التمسك بتوحيده، فإن الوالدين هما سبب وجود الإنسان، ولهما عليه غاية الإحسان، فالوالد بالإنفاق، والوالدة بالإشفاق، ولهذا قال تعالى: { { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّـٰهُ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا } [الإسراء: 23 ــــ 25] ومع هذه الوصية بالرأفة والرحمة، والإحسان إليهما في مقابلة إحسانهما المتقدم، قال: { وَإِن جَـٰهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا } أي: وإن حرصا عليك أن تتابعهما على دينهما، إذا كانا مشركين، فإياك وإياهما، فلا تطعهما في ذلك، فإن مرجعكم إليّ يوم القيامة، فأجزيك بإحسانك إليهما، وصبرك على دينك، وأحشرك مع الصالحين، لا في زمرة والديك، وإن كنت أقرب الناس إليهما في الدنيا، فإن المرء إنما يحشر يوم القيامة مع من أحب، أي: حباً دينياً، ولهذا قال تعالى: { وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِى ٱلصَّـٰلِحِينَ }.

وقال الترمذي عند تفسير هذه الآية: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن سماك بن حرب قال: سمعت مصعب بن سعد يحدث عن أبيه سعد قال: نزلت فيَّ أربع آيات، فذكر قصته وقال: قالت أم سعد: أليس الله قد أمرك بالبر؟ والله لا أطعم طعاماً، ولا أشرب شراباً حتى أموت، أو تكفر، قال: فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها، شجروا فاها، فنزلت: { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَـٰهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا } الآية، وهذا الحديث رواه الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي أيضاً. وقال الترمذي: حسن صحيح.