التفاسير

< >
عرض

وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ
٢٦
وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٢٧
-الروم

تفسير القرآن العظيم

يقول تعالى: { وَلَهُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي: ملكه وعبيده، { كُلٌّ لَّهُ قَـٰنِتُونَ } أي: خاضعون خاشعون طوعاً وكرهاً. وفي حديث دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد مرفوعاً: "كل حرف في القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعة" وقوله: { وَهُوَ ٱلَّذِى يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أهْوَنُ عَلَيْهِ } قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس: يعني: أيسر عليه، وقال مجاهد: الإعادة أهون عليه من البداءة، والبداءة عليه هينة، وكذا قال عكرمة وغيره. وروى البخاري: حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب، أخبرنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم "يقول الله تعالى: كذبني ابن آدم، ولم يكن له ذلك، وشتمني، ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي، فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إياي، فقوله: اتخذ الله ولداً، وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد" انفرد بإخراجه البخاري، كما انفرد بروايته أيضاً من حديث عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة به. وقد رواه الإمام أحمد منفرداً به عن حسن بن موسى عن ابن لهيعة: حدثنا أبو يونس سليم بن جبير عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه أو مثله.

وقال آخرون: كلاهما بالنسبة إلى القدرة على السواء. وقال العوفي عن ابن عباس: كل عليه هين، وكذا قاله الربيع بن خُثيم، ومال إليه ابن جرير، وذكر عليه شواهد كثيرة، قال: ويحتمل أن يعود الضمير في قوله: { وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } إلى الخلق، أي: وهو أهون على الخلق. وقوله: { وَلَهُ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ فِى ٱلسَّمَوَاتِ وٱلأَرْضِ } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: كقوله تعالى: { { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [الشورى: 11] وقال قتادة: مَثَلُهُ أنه لا إله إلا هو، ولا رب غيره، وقال مثل هذا ابن جرير، وقد أنشد بعض المفسرين عند ذكر هذه الآية لبعض أهل المعارف:

إذا سكنَ الغديرُ على صفاءٍوجُنِّبَ أن يحركهُ النسيمُ
تَرى فيهِ السَّماءَ بلا امتراءٍكذاك الشمسُ تبدو والنجومُ
كذاكَ قلوبُ أربابِ التَّجَلِّييُرى في صفوها اللّهُ العظيمُ

وهو العزيز الذي لا يغالب ولا يمانع، بل قد غلب كل شيء، وقهر كل شيء بقدرته وسلطانه، الحكيم في أقواله وأفعاله شرعاً وقدراً. وعن مالك في تفسيره المروي عنه عن محمد بن المنكدر في قوله تعالى: { أَهْوَنُ عَلَيْهِ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ } قال: لا إِله إِلا الله.