التفاسير

< >
عرض

فَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
٣٨
وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ ٱللَّهِ وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ
٣٩
ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُمْ مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ
٤٠
-الروم

تفسير القرآن العظيم

يقول تعالى آمراً بإعطاء { ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ } وهو الذي لا شيء له ينفق عليه، أو له شيء لا يقوم بكفايته، { وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ } وهو المسافر المحتاج إلى نفقة وما يحتاج إليه في سفره، { ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ } أي: النظر إليه يوم القيامة، وهو الغاية القصوى، { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } أي: في الدنيا والآخرة. ثم قال تعالى: { وَمَآ ءَاتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَاْ فِى أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ ٱللَّهِ } أي من أعطى عطية يريد أن يرد عليه الناس أكثر مما أهدى لهم، فهذا لا ثواب له عند الله، بهذا فسره ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة وعكرمة ومحمد بن كعب والشعبي، وهذا الصنيع مباح، وإن كان لا ثواب فيه، إلا أنه قد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، قاله الضحاك، واستدل بقوله: { { وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ } [المدثر: 6] أي: لا تعط العطاء تريد أكثر منه.

وقال ابن عباس: الربا رباءان: فربا لا يصح، يعني: ربا البيع، وربا لا بأس به، وهو هدية الرجل يريد فضلها، وأضعافها، ثم تلا هذه الآية: { وَمَآ ءَاتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَاْ فِى أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ ٱللَّهِ } وإنما الثواب عند الله في الزكاة، ولهذا قال تعالى: { وَمَآ ءاتَيْتُمْ مِّن زَكَوٰةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ } أي: الذين يضاعف الله لهم الثواب والجزاء. كما جاء في الصحيح: "وما تصدق أحد بعدل تمرة من كسب طيب، إلا أخذها الرحمن بيمينه، فيربيها لصاحبها، كما يربي أحدكم فلوَّه أو فصيله، حتى تصير التمرة أعظم من أحد" .

وقوله عز وجل: { ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ } أي: هو الخالق الرزاق، يخرج الإنسان من بطن أمه عرياناً، لا علم له ولا سمع ولا بصر ولا قوة، ثم يرزقه جميع ذلك بعد ذلك، والرياش واللباس والمال والأملاك والمكاسب. كما قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش عن سلام أبي شرحبيل عن حبة وسواء ابني خالد قالا: دخلنا على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلح شيئاً، فأعناه، فقال: "لا تيأسا من الرزق ما تهززت رؤوسكما، فإن الإنسان تلده أمه أحمر ليس عليه قشرة، ثم يرزقه الله عز وجل" .

وقوله تعالى: { ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } أي: بعد هذه الحياة، { ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } أي: يوم القيامة. وقوله تعالى: { هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ } أي: الذين تعبدونهم من دون الله { مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُمْ مِّن شَىْءٍ } أي: لا يقدر أحد منهم على فعل شيء من ذلك، بل الله سبحانه وتعالى هو المستقل بالخلق والرزق والإحياء والإماتة، ثم يبعث الخلائق يوم القيامة، ولهذا قال بعد هذا كله: { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } أي: تعالى وتقدس وتنزه وتعاظم، وجل وعز عن أن يكون له شريك أو نظير، أو مساو أو ولد أو والد، بل هو الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد.