التفاسير

< >
عرض

أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ
١٨
أَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ ٱلْمَأْوَىٰ نُزُلاً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٩
وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ
٢٠
وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
٢١
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ إِنَّا مِنَ ٱلْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ
٢٢
-السجدة

تفسير القرآن العظيم

يخبر تعالى عن عدله وكرمه: أنه لا يساوي في حكمه يوم القيامة من كان مؤمناً بآياته متبعاً لرسله، بمن كان فاسقاً، أي: خارجاً عن طاعة ربه، مكذباً لرسل الله إليه، كما قال تعالى: { { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } [الجاثية: 21] وقال تعالى: { { أَمْ نَجْعَلُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ كَٱلْمُفْسِدِينَ فِى ٱلأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ ٱلْمُتَّقِينَ كَٱلْفُجَّارِ } [ص: 28] وقال تعالى: { { لاَ يَسْتَوِىۤ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ وَأَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ } [الحشر: 20] الآية، ولهذا قال تعالى ههنا: { أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ } أي: عند الله يوم القيامة، وقد ذكر عطاء بن يسار والسدي وغيرهما: أنها نزلت في علي بن أبي طالب وعقبة بن أبي معيط، ولهذا فصل حكمهم، فقال: { أَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ } أي: صدقت قلوبهم بآيات الله، وعملوا يمقتضاها، وهي الصالحات، { فَلَهُمْ جَنَّاتُ ٱلْمَأْوَىٰ } أي: التي فيها المساكن والدور والغرف العالية { نُزُلاً } أي: ضيافة وكرامة { بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ } أي: خرجوا عن الطاعة، فمأواهم النار، كلما أرادوا أن يخرجوا منها، أعيدوا فيها؛ كقوله: { كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا } الآية. قال الفضيل بن عياض: والله إن الأيدي لموثقة، وإن الأرجل لمقيدة، وإن اللهب ليرفعهم، والملائكة تقمعهم، { وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } أي: يقال لهم ذلك تقريعاً وتوبيخاً.

وقوله تعالى: { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ } قال ابن عباس: يعني بالعذاب الآدنى مصائب الدنيا وأسقامها وآفاتها، وما يحل بأهلها؛ مما يبتلي الله به عباده؛ ليتوبوا إليه. وروي مثله عن أبي بن كعب وأبي العالية والحسن وإبراهيم النخعي والضحاك وعلقمة وعطية ومجاهد وقتادة وعبد الكريم الجزري وخصيف. وقال ابن عباس في رواية عنه: يعني به: إقامة الحدود عليهم. وقال البراء بن عازب ومجاهد وأبو عبيدة: يعني به: عذاب القبر. وقال النسائي: أخبرنا عمرو بن علي، أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص، وأبي عبيدة عن عبد الله: { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ } قال: سنون أصابتهم.

وقال عبد الله ابن الإمام أحمد: حدثني عبيد الله بن عمر القواريري، حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن قتادة عن عروة عن الحسن العوفي عن يحيى الجزار، عن ابن أبي ليلى عن أبي بن كعب في هذه الآية: { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ } قال: القمر والدخان قد مضيا، والبطشة واللزام، ورواه مسلم من حديث شعبة به موقوفاً نحوه. وعند البخاري عن ابن مسعود نحوه. وقال عبد الله بن مسعود أيضاً في رواية عنه: العذاب الأدنى: ما أصابهم من القتل والسبي يوم بدر، وكذا قال مالك عن زيد بن أسلم. قال السدي وغيره: لم يبق بيت بمكة إلا دخله الحزن على قتيل لهم أو أسير، فأصيبوا أو غرموا، ومنهم من جمع له الأمران.

وقوله تعالى: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِـآيَـٰتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ } أي: لا أظلم ممن ذكره الله بآياته، وبينها له ووضحها، ثم بعد ذلك تركها وجحدها، وأعرض عنها، وتناساها كأنه لا يعرفها. قال قتادة.: إياكم والإعراض عن ذكر الله، فإن من أعرض عن ذكره فقد اغتر أكبر الغرة، وأعوز أشد العوز، وعظم من أعظم الذنوب، ولهذا قال تعالى متهدداً لمن فعل ذلك: { إِنَّا مِنَٱلْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ } أي: سأنتقم ممن فعل ذلك أشد الانتقام. وروى ابن جرير: حدثني عمران بن بكار الكلاعي، حدثنا محمد بن المبارك، حدثنا إسماعيل بن عياش، حدثنا عبد العزيز بن عبيد الله عن عبادة بن نسي عن جنادة بن أبي أمية عن معاذ بن جبل قال: سمعت رسول الله يقول: "ثلاث من فعلهن فقد أجرم: من عقد لواء في غير حق، أو عق والديه، أو مشى مع ظالم ينصره، فقد أجرم، يقول الله تعالى: { إِنَّا مِنَ ٱلْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ }" ورواه ابن أبي حاتم من حديث إسماعيل بن عياش به، وهذا حديث غريب جداً.