التفاسير

< >
عرض

يَسْأَلُكَ ٱلنَّاسُ عَنِ ٱلسَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً
٦٣
إِنَّ ٱللَّهَ لَعَنَ ٱلْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً
٦٤
خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً لاَّ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً
٦٥
يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ يَقُولُونَ يٰلَيْتَنَآ أَطَعْنَا ٱللَّهَ وَأَطَعْنَا ٱلرَّسُولاَ
٦٦
وَقَالُواْ رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا ٱلسَّبِيلاْ
٦٧
رَبَّنَآ آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ ٱلْعَذَابِ وَٱلْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً
٦٨
-الأحزاب

تفسير القرآن العظيم

يقول تعالى مخبراً لرسوله صلوات الله وسلامه عليه: أنه لا علم له بالساعة، وإن سأله الناس عن ذلك، وأرشده أن يرد علمها إلى الله عز وجل؛ كما قال الله تعالى في سورة الأعراف، وهي مكية، وهذه مدنية، فاستمر الحال في رد علمها إلى الذي يقيمها، لكن أخبره أنها قريبة بقوله: { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً } كما قال تعالى: { { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } [القمر: 1] وقال: { { ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَـٰبُهُمْ وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ } [الأنبياء: 1] وقال: { { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } [النحل: 1] ثم قال: { إِنَّ ٱللَّهَ لَعَنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ } أي: أبعدهم من رحمته { وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً } أي: في الدار الآخرة { خَـٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } أي: ماكثين مستمرين، فلا خروج لهم منها، ولا زوال لهم عنها، { لاَّ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } أي: وليس لهم مغيث ولا معين ينقذهم مما هم فيه، ثم قال: { يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ يَقُولُونَ يٰلَيْتَنَآ أَطَعْنَا ٱللَّهَ وَأَطَعْنَا ٱلرَّسُولاَ } أي: يسحبون في النار على وجوههم، وتلوى وجوههم على جهنم، يقولون وهم كذلك يتمنون أن لو كانوا في الدار الدنيا ممن أطاع الله وأطاع الرسول؛ كما أخبر الله عنهم في حال العرصات بقوله: { { وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّـٰلِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يٰلَيْتَنِى ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً يٰوَيْلَتَا لَيْتَنِى لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً لَّقَدْ أَضَلَّنِى عَنِ ٱلذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِى وَكَانَ ٱلشَّيْطَـٰنُ لِلإِنْسَـٰنِ خَذُولاً } [الفرقان: 27 - 29] وقال تعالى: { رُّبَمَا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ } [الحجر: 2] وهكذا أخبر عنهم في حالتهم هذه أنهم يودون أن لو كانوا أطاعوا الله وأطاعوا الرسول في الدنيا، { وَقَالُواْ رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا ٱلسَّبِيلاْ } وقال طاوس: سادتنا: يعني الأشراف، وكبراءنا يعني العلماء، رواه ابن أبي حاتم، أي: اتبعنا السادة، وهم الأمراء والكبراء من المشيخة، وخالفنا الرسل، واعتقدنا أن عندهم شيئاً، وأنهم على شيء، فإذا هم ليسوا على شيء { رَبَّنَآ ءَاتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ ٱلْعَذَابِ } أي: بكفرهم وإغوائهم إيانا، { مِنَ ٱلْعَذَابِ وَٱلْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً } قرأ بعض القراء بالباء الموحدة، وقرأ آخرون بالثاء المثلثة، وهما قريبا المعنى؛ كما في حديث عبد الله بن عمرو: أن أبا بكر قال: يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: "قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم" أخرجاه في الصحيحين، يروى: كثيراً وكبيراً، وكلاهما بمعنى صحيح، واستحب بعضهم أن يجمع الداعي بين اللفظين في دعائه، وفي ذلك نظر، بل الأولى أن يقول هذا تارة، وهذا تارة، كما أن القارىء مخير بين القراءتين، أيتهما قرأ أحسن، وليس له الجمع بينهما، والله أعلم.

وقال أبو القاسم الطبراني: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا ضرار بن صرد، حدثنا علي بن هاشم عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه في تسمية من شهد مع علي رضي الله عنه الحجاج بن عمرو بن غزية، وهو الذي كان يقول عند اللقاء: يامعشر الأنصار أتريدون أن تقولوا لربنا إذا لقيناه: { رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا ٱلسَّبِيلاْ رَبَّنَآ ءَاتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ ٱلْعَذَابِ وَٱلْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً }.