يقول تعالى: { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } وقرأ بعضهم (عباده) يعني: أنه تعالى يكفي من عبده وتوكل عليه. وقال ابن أبي حاتم ههنا: حدثنا أبو عبيد الله ابن أخي ابن وهب: حدثنا عمي، حدثنا أبو هانىء عن أبي علي عمرو بن مالك الجنبي عن فضالة بن عبيد الأنصاري رضي عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"أفلح من هدي إلى الإسلام، وكان عيشه كفافاً، وقنع به" ورواه الترمذي والنسائي من حديث حيوة بن شريح عن أبي هانىء الخولاني به، وقال الترمذي: صحيح { وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ } يعني: المشركين، يخوفون الرسول صلى الله عليه وسلم ويتوعدونه بأصنامهم وآلهتهم التي يدعونها من دون الله، جهلاً منهم وضلالاً، ولهذا قال عز وجل: { وَمَن يُضْـلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَـادٍ وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِى ٱنتِقَامٍ } أي: منيع الجناب، لا يضام من استند إلى جنابه، ولجأ إلى بابه؛ فإنه العزيز الذي لا أعز منه، ولا أشد انتقاماً منه ممن كفر به، وأشرك وعاند رسوله صلى الله عليه وسلم وقوله تعالى: { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } يعني: المشركين، كانوا يعترفون بأن الله عز وجل هو الخالق للأشياء كلها، ومع هذا يعبدون معه غيره مما لا يملك لهم ضراً ولا نفعاً، ولهذا قال تبارك تعالى: { قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَنِىَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَـٰشِفَـٰتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِى بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَـٰتُ رَحْمَتِهِ } أي: لا تستطيع شيئاً من الأمر، وذكر ابن أبي حاتم ههنا حديث قيس بن الحجاج عن حنش الصنعاني عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً: "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرّف إلى الله في الرخاء، يعرفك في الشدة، إذا سألت، فاسأل الله، وإذا استعنت، فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك، لم يضروك، ولو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله لك، لم ينفعوك، جفت الصحف، ورفعت الأقلام، واعمل لله بالشكر في اليقين. واعلم أن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً" { قُلْ حَسْبِىَ ٱللَّهُ } أي: الله كافيَّ { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ } كما قال هود عليه الصلاة والسلام حين قال قومه: { { إِن نَّقُولُ إِلاَّ ٱعْتَرَاكَ بَعْضُ ءَالِهَتِنَا بِسُوۤءٍ قَالَ إِنِّىۤ أُشْهِدُ ٱللَّهَ وَٱشْهَدُوۤاْ أَنِّى بَرِىۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ مِن دُونِهِ فَكِيدُونِى جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ إِنِّى تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّى وَرَبِّكُمْ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ ءاخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ إِنَّ رَبِّى عَلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [هود: 54 ــــ 56]. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن عصام الأنصاري، حدثنا عبد الله بن بكر السهمي، حدثنا محمد بن حاتم عن أبي المقدام مولى آل عثمان عن محمد بن كعب القرظي حدثنا ابن عباس رضي الله عنهما، رفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أحب أن يكون أقوى الناس، فليتوكل على الله تعالى، ومن أحب أن يكون أغنى الناس، فليكن بما في يد الله عز وجل أوثق منه بما في يديه، ومن أحب أن يكون أكرم الناس، فليتق الله عز وجل" ، وقوله تعالى: { قُلْ يَـٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ } أي: على طريقتكم. وهذا تهديد ووعيد { إِنِّى عَامِلٌ } أي: على طريقتي ومنهجي { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } أي: ستعلمون غب ذلك ووباله { مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ } أي: في الدنيا { وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } أي: دائم مستمر، لا محيد عنه، وذلك يوم القيامة، أعاذنا الله منها.