يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يكونوا قوامين بالقسط، أي: بالعدل، فلا يعدلوا عنه يميناً ولا شمالاً، ولا تأخذهم في الله لومة لائم، ولا يصرفهم عنه صارف، وأن يكونوا متعاونين متساعدين متعاضدين متناصرين فيه، وقوله: { شُهَدَآءِ للَّهِ } كما قال:
{ { وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَـٰدَةَ لِلَّهِ } [الطلاق: 2] أي: ليكن أداؤها ابتغاء وجه الله، فحينئذ تكون صحيحة عادلة حقاً خالية من التحريف والتبديل والكتمان، ولهذا قال { وَلَوْ عَلَىۤ أَنفُسِكُمْ } أي: اشهد الحق، ولو عاد ضررها عليك، وإذا سئلت عن الأمر، فقل الحق فيه، ولو عادت مضرته عليك، فإن الله سيجعل لمن أطاعه فرجاً ومخرجاً من كل أمر يضيق عليه. وقوله: { أَوِ ٱلْوَٰلِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ } أي: وإن كانت الشهادة على والديك وقرابتك، فلا تراعهم فيها، بل اشهد بالحق، وإن عاد ضررها عليهم، فإن الحق حاكم على كل أحد. وقوله: { إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَٱللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا } أي: لا ترعاه لغناه، ولا تشفق عليه لفقره، الله يتولاهما، بل هو أولى بهما منك، وأعلم بما فيه صلاحهما. وقوله: { فَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُواْ } أي: فلا يحملنكم الهوى والعصبية وبغض الناس إليكم على ترك العدل في أموركم وشؤونكم، بل الزموا العدل على أي حال كان، كما قال تعالى:
{ { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُوا اللهَ } [المائدة: 8]، ومن هذا القبيل قول عبد الله بن رواحة لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم يخرص على أهل خيبر ثمارهم وزروعهم، فأرادوا أن يرشوه ليرفق بهم، فقال: والله لقد جئتكم من عند أحب الخلق إلي، ولأنتم أبغض إلي من أعدادكم من القردة والخنازير، وما يحملني حبي إياه، وبغضي لكم على أن لا أعدل فيكم، فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض، وسيأتي الحديث مسنداً في سورة المائدة إن شاء الله تعالى. وقوله: { وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ } قال مجاهد وغير واحد من السلف: تلووا، أي: تحرفوا الشهادة وتغيروها، واللّيُّ: هو التحريف، وتعمد الكذب، قال تعالى: { { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِٱلْكِتَـٰبِ } [آل عمران: 78] الآية، والإعراض: هو كتمان الشهادة وتركها، قال تعالى: { { وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ ءَاثِمٌ قَلْبُهُ } [البقرة: 283] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "خير الشهداء الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها" ولهذا توعدهم الله بقوله: { فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } أي: وسيجازيكم بذلك.