يقول تعالى متوعداً الذين يصدون عن سبيل الله من آمن به: { وَٱلَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِى ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ٱسَتُجِيبَ لَهُ } أي: يجادلون المؤمنين المستجيبين لله ولرسوله؛ ليصدوهم عما سلكوه من طريق الهدى، { حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ } أي: باطلة عند الله، { وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ } أي: منه، { وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } أي: يوم القيامة، قال ابن عباس رضي الله عنه ومجاهد: جادلوا المؤمنين بعد ما استجابوا لله ولرسوله؛ ليصدوهم عن الهدى، وطمعوا أن تعود الجاهلية، وقال قتادة: هم اليهود والنصارى قالوا: ديننا خير من دينكم، ونبينا قبل نبيكم، ونحن خير منكم، وأولى بالله منكم، وقد كذبوا في ذلك. ثم قال تعالى: { ٱللَّهُ ٱلَّذِىۤ أَنزَلَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقِّ } يعني: الكتب المنزلة من عنده على أنبيائه { وَٱلْمِيزَانَ } وهو العدل والإنصاف، قاله مجاهد وقتادة، وهذه كقوله تعالى:
{ { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَـٰتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ } [الحديد: 25] وقوله: { { وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِى ٱلْمِيزَانِ وَأَقِيمُواْ ٱلْوَزْنَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُواْ ٱلْمِيزَانَ } [الرحمن: 7 ــــ 9]. وقوله تبارك وتعالى: { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ } فيه ترغيب فيها، وترهيب منها، وتزهيد في الدنيا، وقوله عز وجل: { يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا } أي: يقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين؟ وإنما يقولون ذلك؛ تكذيباً واستبعاداً، وكفراً وعناداً، { وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا } أي: خائفون وجلون من وقوعها، { وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا ٱلْحَقُّ } أي: كائنة لا محالة، فهم مستعدون لها، عاملون من أجلها. وقد روي من طرق تبلغ درجة التواتر في الصحاح والحسان والسنن والمسانيد، وفي بعض ألفاظه: أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوت جهوري، وهو في بعض أسفاره، فناداه فقال: يا محمد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم نحواً من صوته:
"هاؤم" ، فقال له: متى الساعة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ويحك إنها كائنة، فما أعددت لها؟" فقال: حب الله ورسوله، فقال صلى الله عليه وسلم "أنت مع من أحببت" ، فقوله في الحديث: "المرء مع من أحب" هذا متواتر لا محالة، والغرض أنه لم يجبه عن وقت الساعة، بل أمره بالاستعداد لها. وقوله تعالى: { أَلآ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فَى ٱلسَّاعَةِ } أي: يجادلون في وجودها، ويدفعون وقوعها { لَفِى ضَلَـٰلٍ بَعِيدٍ } أي: في جهل بين؛ لأن الذي خلق السموات والأرض قادر على إحياء الموتى بطريق الأولى والأحرى؛ كما قال تعالى: { { وَهُوَ ٱلَّذِى يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [الروم: 27].