التفاسير

< >
عرض

وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ
٥١
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
٥٢
صِرَاطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ
٥٣
-الشورى

تفسير القرآن العظيم

هذه مقامات الوحي بالنسبة إلى جناب الله عز وجل، وهو أنه تبارك وتعالى تارة يقذف في روع النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً لا يتمارى فيه أنه من الله عز وجل، كما جاء في صحيح ابن حبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن روح القدس نفث في روعي: أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب" . وقوله تعالى: { أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ } كما كلم موسى عليه الصلاة والسلام، فإنه سأل الرؤية بعد التكليم، فحجب عنها.

وفي الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجابر بن عبد الله رضي الله عنهما: "ما كلم الله أحداً إلا من وراء حجاب، وإنه كلم أباك كفاحاً" كذا جاء في الحديث، وكان قد قتل يوم أحد، ولكن هذا في عالم البرزخ، والآية إنما هي في الدار الدنيا. وقوله عز وجل: { أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِىَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ } كما ينزل جبريل عليه الصلاة والسلام وغيره من الملائكة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام { إِنَّهُ عَلِىٌّ حَكِيمٌ } فهو علي عليم، خبير حكيم. وقوله عز وجل: { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } يعني: القرآن { مَا كُنتَ تَدْرِى مَا ٱلْكِتَـٰبُ وَلاَ ٱلإِيمَـٰنُ } أي: على التفصيل الذي شرع لك في القرآن { وَلَـٰكِن جَعَلْنَـٰهُ } أي: القرآن { نُوراً نَّهْدِى بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا } كقوله تعالى: { { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِىۤ ءَاذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى } [فصلت: 44] الآية.

وقوله تعالى: { وَإِنَّكَ } أي: يا محمد { لَتَهْدِىۤ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } وهو الخلق القويم، ثم فسره بقوله تعالى: { صِرَٰطِ ٱللَّهِ } أي: شرعه الذي أمر به الله { ٱلَّذِى لَهُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلأَرْضِ } أي: ربهما ومالكهما، والمتصرف فيهما، والحاكم الذي لا معقب لحكمه { أَلآ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ } أي: ترجع الأمور، فيفصلها ويحكم فيها، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علواً كبيراً.