التفاسير

< >
عرض

حـمۤ
١
عۤسۤقۤ
٢
كَذَلِكَ يُوحِيۤ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٣
لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلعَظِيمُ
٤
تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَٱلْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي ٱلأَرْضِ أَلاَ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ
٥
وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ
٦
-الشورى

تفسير القرآن العظيم

قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة. وقد روى ابن جرير ههنا أثراً غريباً عجيباً منكراً فقال: أخبرنا أحمد بن زهير، حدثنا عبد الوهاب بن نجدة الحوطي، حدثنا أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج عن أرطاة بن المنذر قال: جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقال له، وعنده حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه: أخبرني عن تفسير قول الله تعالى: { حـمۤ عۤسۤقۤ } قال: فأطرق، ثم أعرض عنه، ثم كرر مقالته، فأعرض عنه فلم يجبه بشيء، وكره مقالته، ثم كررها الثالثة، فلم يحر إليه شيئاً، فقال له حذيفة رضي الله عنه: أنا أنبئك بها، قد عرفت لم كرهها، ونزلت في رجل من أهل بيته يقال له عبد الإله، أو عبد الله، ينزل على نهر من أنهار المشرق، تبنى عليه مدينتان يشق النهر بينهما شقاً، فإذا أذن الله تبارك وتعالى في زوال ملكهم، وانقطاع دولتهم ومدتهم، بعث الله عز وجل على إحداها ناراً ليلاً، فتصبح سوداء مظلمة، وقد احترقت كأنها لم تكن مكانها، وتصبح صاحبتها متعجبة كيف أفلتت؟ فما هو إلا بياض يومها ذلك، حتى يجتمع فيها كل جبار عنيد منهم، ثم يخسف الله بها وبهم جميعاً، فذلك قوله تعالى: { حـمۤ عۤسۤقۤ } يعني عزيمة من الله تعالى وفتنة وقضاء، حم عين: يعني: عدلاً منه، سين: يعني: سيكون، ق: يعني: واقع بهاتين المدينتين. وأغرب منه ما رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في الجزء الثاني من مسند ابن عباس رضي الله عنه عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، ولكن إسناده ضعيف جداً ومنقطع فإنه قال: حدثنا أبو طالب عبد الجبار بن عاصم، حدثنا أبو عبد الله الحسن بن يحيى الخشني الدمشقي عن أبي معاوية قال: صعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه المنبر، فقال: أيها الناس هل سمع منكم أحد رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسر { حـمۤ عۤسۤقۤ } فوثب ابن عباس رضي الله عنه، فقال: أنا، قال: حم: اسم من أسماء الله تعالى، قال: فعين؟ قال: عاين المولون عذاب يوم بدر، قال: فسين؟ قال: سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، قال: فقاف؟ فسكت، فقام أبو ذر ففسر كما قال ابن عباس رضي الله عنهما، وقال: قاف: قارعة من السماء تغشى الناس. وقوله عز وجل: { كَذَلِكَ يُوحِىۤ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } أي: كما أنزل إليك هذا القرآن، كذلك أنزل الكتب والصحف على الأنبياء قبلك. وقوله تعالى: { ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ } أي: في انتقامه، { ٱلْحَكِيمُ } في أقواله وأفعاله.

قال الإمام مالكرحمه الله : عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشده علي، فيفصم عني وقد وعيت ما قال، وأحياناً يأتيني الملك رجلاً، فيكلمني، فأعي ما يقول" قالت عائشة رضي الله عنها: فلقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه وإن جبينه صلى الله عليه وسلم ليتفصد عرقاً. أخرجاه في الصحيحين ولفظه للبخاري. وقد رواه الطبراني عن عبد الله بن الإمام أحمد عن أبيه عن عامر بن صالح عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها عن الحارث بن هشام: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف ينزل عليك الوحي؟ فقال صلى الله عليه وسلم "في مثل صلصلة الجرس، فيفصم عني وقد وعيت ما قاله ــــ وقال ــــ وهو أشده عليّ ــــ قال ــــ وأحياناً يأتيني الملك، فيتمثل لي، فيكلمني، فأعي ما يقول" . وقال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة، حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عمرو بن الوليد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله هل تحس بالوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أسمع صلاصل، ثم أسكت عند ذلك، فما من مرة يوحى إلي، إلا ظننت أن نفسي تقبض" تفرد به أحمد، وقد ذكرنا كيفية إتيان الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول شرح البخاري بما أغنى عن إعادته ههنا ولله الحمد والمنة. وقوله تبارك وتعالى: { لَهُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلأَرْضِ } أي: الجميع عبيد له، وملك له تحت قهره وتصريفه { وَهُوَ ٱلْعَلِىُّ ٱلْعَظِيمُ } كقوله تعالى: { { وَهُوَ ٱلْكَبِيرُ ٱلْمُتَعَالِ } [الرعد: 9] { { وَهُوَ ٱلْعَلِىُّ ٱلْكَبِيرُ } [سبأ: 23] والآيات في هذا كثيرة. وقوله عز وجل: { تَكَادُ ٱلسَّمَـٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ } وقال ابن عباس رضي الله عنهما والضحاك وقتادة والسدي وكعب الأحبار: أي: فرقاً من العظمة { وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِى ٱلأَرْضِ } كقوله جل وعلا: { { ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَىْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً } [غافر: 7] وقوله جل جلاله: { أَلاَ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } إعلام بذلك، وتنويه به، وقوله سبحانه وتعالى: { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ } يعني: المشركين، { ٱللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ } أي: شهيد على أعمالهم، يحصيها ويعدها عداً، وسيجزيهم بها أوفر الجزاء، { وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ } أي: إنما أنت نذير، والله على كل شيء وكيل.