التفاسير

< >
عرض

وَفِي مُوسَىٰ إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ
٣٨
فَتَوَلَّىٰ بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ
٣٩
فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ
٤٠
وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ
٤١
مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ
٤٢
وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُواْ حَتَّىٰ حِينٍ
٤٣
فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ
٤٤
فَمَا ٱسْتَطَاعُواْ مِن قِيَامٍ وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ
٤٥
وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ
٤٦
-الذاريات

تفسير القرآن العظيم

يقول تعالى: { وَفِي مُوسَىٰ إِذْ أَرْسَلْنَـٰهُ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ بِسُلْطَـٰنٍ مُّبِينٍ } أي: بدليل باهر، وحجة قاطعة { فَتَوَلَّىٰ بِرُكْنِهِ } أي: فأعرض فرعون عما جاءه به موسى من الحق المبين استكباراً وعناداً. وقال مجاهد: تعزز بأصحابه، وقال قتادة: غلب عدو الله على قومه، وقال ابن زيد { فَتَوَلَّىٰ بِرُكْنِهِ } أي: بجموعه التي معه، ثم قرأ: { { لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِيۤ إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ } [هود: 80] والمعنى الأول قوي؛ كقوله تعالى: { { ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } [الحج: 9] أي: معرض عن الحق مستكبر { وَقَالَ سَـٰحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } أي: لا يخلو أمرك فيما جئتني به من أن تكون ساحراً أو مجنوناً، قال الله تعالى: { فَأَخَذْنَـٰهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَـٰهُمْ } أي ألقيناهم { فِي ٱلْيَمِّ } وهو البحر { وَهُوَ مُلِيمٌ } أي: وهو ملوم كافر جاحد فاجر معاند.

ثم قال عز وجل: { وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ } أي: المفسدة التي لا تنتج شيئاً، قاله الضحاك وقتادة وغيرهما، ولهذا قال تعالى: { مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ } أي: مما تفسده الريح؛ { إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ } أي: كالشيء الهالك البالي، وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو عبيد الله ابن أخي ابن وهب، حدثنا عمي عبد الله بن وهب، حدثني عبد الله، يعني: ابن عياش الغساني، حدثني عبد الله بن سليمان عن دراج عن عيسى بن هلال الصدفي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الريح مسخرة من الثانية ــــ يعني: من الأرض الثانية ــــ، فلما أراد الله تعالى أن يهلك عاداً، أمر خازن الريح أن يرسل عليهم ريحاً تهلك عاداً، قال: أي رب أرسل عليهم الريح قدر منخر الثور؟ قال له الجبار تبارك وتعالى: لا، إذاً تطفأ الأرض ومن عليها، ولكن أرسل عليهم بقدر خاتم، فهي التي قال الله عز وجل في كتابه: { مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ }" هذا الحديث رفعه منكر، والأقرب أن يكون موقوفاً على عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما من زاملتيه اللتين أصابهما يوم اليرموك، والله أعلم. قال سعيد بن المسيب وغيره في قوله تعالى: { إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ } قالوا: هي الجنوب. وقد ثبت في الصحيح من رواية شعبة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور" . { وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُواْ حَتَّىٰ حِينٍ } قال ابن جرير: يعني: إلى وقت فناء آجالكم. والظاهر أن هذه كقوله تعالى: { { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَـٰهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَـٰعِقَةُ ٱلْعَذَابِ ٱلْهُونِ } [فصلت: 17] وهكذا قال ههنا: { وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُواْ حَتَّىٰ حِينٍ فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ } وذلك أنهم انتظروا العذاب ثلاثة أيام، فجاءهم في صبيحة اليوم الرابع بكرة النهار { فَمَا ٱسْتَطَـٰعُواْ مِن قِيَامٍ } أي: من هرب ولا نهوض { وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ } أي: لا يقدرون على أن ينتصروا مما هم فيه. وقوله عز وجل: { وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ } أي وأهلكنا قوم نوح من قبل هؤلاء { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَـٰسِقِينَ } وكل هذه القصص قد تقدمت مبسوطة في أماكن كثيرة من سور متعددة، والله تعالى أعلم.