التفاسير

< >
عرض

أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ ٱلْخَالِقُونَ
٣٥
أَمْ خَلَقُواْ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ
٣٦
أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ ٱلْمُصَيْطِرُونَ
٣٧
أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ
٣٨
أَمْ لَهُ ٱلْبَنَاتُ وَلَكُمُ ٱلْبَنُونَ
٣٩
أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ
٤٠
أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ
٤١
أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ ٱلْمَكِيدُونَ
٤٢
أَمْ لَهُمْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ
٤٣
-الطور

تفسير القرآن العظيم

هذا المقام في إثبات الربوبية وتوحيد الألوهية، فقال تعالى: { أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ ٱلْخَـٰلِقُونَ } أي: أوجدوا من غير موجد؟ أم هم أوجدوا أنفسهم، أي: لا هذا ولا هذا، بل الله هو الذي خلقهم وأنشأهم بعد أن لم يكونوا شيئاً مذكوراً، قال البخاري: حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان قال: حدثني عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية: { أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَىْءٍ أَمْ هُمُ ٱلْخَـٰلِقُونَ أَمْ خَلَقُواْ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ ٱلْمُصَيْطِرُونَ } كاد قلبي أن يطير، وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من طرق عن الزهري به. وجبير بن مطعم كان قد قدم على النبي صلى الله عليه وسلم بعد وقعة بدر في فداء الأسارى، وكان إذ ذاك مشركاً، فكان سماعه هذه الآية من هذه السورة من جملة ما حمله على الدخول في الإسلام بعد ذلك. ثم قال تعالى: { أَمْ خَلَقُواْ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ } أي أهم خلقوا السموات والأرض؟ وهذا إنكار عليهم في شركهم بالله، وهم يعلمون أنه الخالق وحده لا شريك له، ولكن عدم إيقانهم هو الذي يحملهم على ذلك، { أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ ٱلْمُصَيْطِرُونَ } أي: أهم يتصرفون في الملك، وبيدهم مفاتيح الخزائن { أَمْ هُمُ ٱلْمُصَيْطِرُونَ } أي: المحاسبون للخلائق، ليس الأمر كذلك، بل الله عز وجل هو المالك المتصرف الفعال لما يريد.

وقوله تعالى: { أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ } أي: مرقاة إلى الملأ الأعلى { فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَـٰنٍ مُّبِينٍ } أي: فليأت الذي يستمع لهم بحجة ظاهرة على صحة ما هم فيه من الفعال والمقال، أي وليس لهم سبيل إلى ذلك، فليسوا على شيء، وليس لهم دليل، ثم قال منكراً عليهم فيما نسبوه إليه من البنات وجعلهم الملائكة إناثاً، واختيارهم لأنفسهم الذكور على الإناث، بحيث إذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم، هذا وقد جعلوا الملائكة بنات الله، وعبدوهم مع الله فقال: { أَمْ لَهُ ٱلْبَنَـٰتُ وَلَكُمُ ٱلْبَنُونَ } وهذا تهديد شديد، ووعيد أكيد { أَمْ تَسْـئَلُهُمْ أَجْراً } أي: أجرة إبلاغك إياهم رسالة الله، أي: لست تسألهم على ذلك شيئاً، { فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ } أي: فهم من أدنى شيء يتبرمون منه، ويثقلهم ويشق عليهم، { أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ } أي ليس الأمر كذلك؛ فإنه لا يعلم أحد من أهل السموات والأرض الغيب إلا الله { أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ ٱلْمَكِيدُونَ } يقول تعالى: أم يريد هؤلاء بقولهم هذا في الرسول وفي الدين غرور الناس، وكيد الرسول وأصحابه؟ فكيدهم إنما يرجع وباله على أنفسهم، فالذين كفروا هم المكيدون { أَمْ لَهُمْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ سُبْحَـٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } وهذا إنكار شديد على المشركين في عبادتهم الأصنام والأنداد مع الله، ثم نزه نفسه الكريمة عما يقولون ويفترون ويشركون فقال: { سُبْحَـٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ }.