التفاسير

< >
عرض

هَـٰذَا نَذِيرٌ مِّنَ ٱلنُّذُرِ ٱلأُوْلَىٰ
٥٦
أَزِفَتِ ٱلآزِفَةُ
٥٧
لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ كَاشِفَةٌ
٥٨
أَفَمِنْ هَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ
٥٩
وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ
٦٠
وَأَنتُمْ سَامِدُونَ
٦١
فَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ وَٱعْبُدُواْ
٦٢
-النجم

تفسير القرآن العظيم

{ هَـٰذَا نَذِيرٌ } يعني: محمداً صلى الله عليه وسلم{ مِّنَ ٱلنُّذُرِ ٱلأُوْلَىٰ } أي: من جنسهم، أرسل كما أرسلوا؛ كما قال تعالى: { { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ } [الأحقاف: 9] { أَزِفَتِ ٱلآزِفَةُ } أي: اقتربت القريبة، وهي القيامة { لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ كَاشِفَةٌ } أي: لا يدفعها إذاً من دون الله أحد، ولا يطلع على علمها سواه، والنذير: الحذر؛ لما يعاين من الشر الذي يخشى وقوعه فيمن أنذرهم؛ كما قال: { { إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } [سبأ: 46] وفي الحديث: "أنا النذير العريان" أي: الذي أعجله شدة ما عاين من الشر عن أن يلبس عليه شيئاً، بل بادر إلى إنذار قومه قبل ذلك، فجاءهم عرياناً مسرعاً، وهو مناسب لقوله: { أَزِفَتِ ٱلآزِفَةُ } أي: اقتربت القريبة، يعني: يوم القيامة. كما قال في أول السورة التي بعدها: { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ } [القمر: 1]. وقال الإمام أحمد: حدثنا أنس بن عياض، حدثني أبو حاتم لا أعلم إلا عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم ومحقرات الذنوب، فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا ببطن واد، فجاء ذا بعود، وجاء ذا بعود، حتى أنضجوا خبزتهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها، تهلكه" وقال أبو حازم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ــــ قال أبو نضرة: لا أعلم إلا عن سهل بن سعد ــــ قال: "مثلي ومثل الساعة كهاتين" وفرق بين أصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام، ثم قال: "مثلي ومثل الساعة كمثل فرسي رهان" ثم قال: "مثلي ومثل الساعة كمثل رجل بعثه قومه طليعة، فلما خشي أن يسبق، ألاح بثوبه: أتيتم أتيتم" ثم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا ذلك" وله شواهد من وجوه أخر من صحاح وحسان. ثم قال تعالى منكراً على المشركين في استماعهم القرآن وإعراضهم عنه وتلهيهم { تَعْجَبُونَ } من أن يكون صحيحاً { وَتَضْحَكُونَ } منه استهزاء وسخرية { وَلاَ تَبْكُونَ } أي: كما يفعل الموقنون به كما أخبر عنهم: { { وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا } [الإسراء: 107].

وقوله تعالى: { وَأَنتُمْ سَـٰمِدُونَ } قال سفيان الثوري عن أبيه عن ابن عباس قال: الغناء، هي يمانية، اسمد لنا: غن لنا، وكذا قال عكرمة، وفي رواية عن ابن عباس: { سَـٰمِدُونَ }: معرضون، وكذا قال مجاهد وعكرمة، وقال الحسن: غافلون، وهو رواية عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وفي رواية عن ابن عباس: تستكبرون، وبه يقول السدي، ثم قال تعالى آمراً لعباده بالسجود له، والعبادة المتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم والتوحيد والإخلاص { فَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ وَٱعْبُدُواْ } أي فاخضعوا له وأخلصوا ووحدوه. قال البخاري: حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال: سجد النبي صلى الله عليه وسلم بالنجم، وسجد معه المسلمون والمشركون، والجن والإنس. انفرد به دون مسلم، وقال الإمام أحمد: حدثنا إبراهيم بن خالد، حدثنا رباح عن معمر عن ابن طاوس عن عكرمة بن خالد عن جعفر بن المطلب بن أبي وداعة عن أبيه قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة سورة النجم، فسجد وسجد من عنده، فرفعت رأسي فأبيت أن أسجد، ولم يكن أسلم يومئذ المطلب، فكان بعد ذلك لا يسمع أحداً يقرؤها إلا سجد معه. وقد رواه النسائي في الصلاة عن عبد الملك بن عبد الحميد عن أحمد بن حنبل به.

آخر تفسير سورة النجم، ولله الحمد والمنّة.