يقول تعالى مخبراً عن فرعون وقومه: أنهم جاءهم رسول الله موسى وأخوه هارون بالبشارة إن آمنوا، والنذارة إن كفروا، وأيدهما بمعجزات عظيمة، وآيات متعددة، فكذبوا بها كلها، فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، أي: فأبادهم الله، ولم يبق منهم مخبر، ولا عين ولا أثر، ثم قال تعالى: { أَكُفَّـٰرُكُمْ }؟ أي: أيها المشركون من كفار قريش { خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَـٰئِكُمْ } يعني من الذين تقدم ذكرهم ممن أهلكوا بسبب تكذيبهم الرسل، وكفرهم بالكتب، أأنتم خير من أولئكم؟ { أَمْ لَكُم بَرَآءَةٌ فِى ٱلزُّبُرِ } أي: أم معكم من الله براءة أن لا ينالكم عذاب ولا نكال؟ ثم قال تعالى مخبراً عنهم: { أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ } أي: يعتقدون أنهم يتناصرون بعضهم بعضاً، وأن جميعهم يغني عنهم من أرادهم بسوء. قال الله تعالى: { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } أي: سيتفرق شملهم ويغلبون.
قال البخاري: حدثنا إسحاق، حدثنا خالد عن خالد، وقال أيضاً: حدثنا محمد، حدثنا عفان بن مسلم عن وهيب عن خالد عن عكرمة عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو في قبة له يوم بدر:
"أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم في الأرض أبداً" فأخذ أبو بكر رضي الله عنه بيده وقال: حسبك يا رسول الله، ألححت على ربك، فخرج وهو يثب في الدرع وهو يقول: { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَٱلسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ } وكذا رواه البخاري والنسائي في غير موضع من حديث خالد، وهو ابن مهران الحذاء، به. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو الربيع الزهراني، حدثنا حماد عن أيوب عن عكرمة قال: لما نزلت: { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } قال عمر: أي جمع يهزم؟ أي جمع يغلب؟ قال عمر: فلما كان يوم بدر، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يثب في الدرع وهو يقول: "سيهزم الجمع ويولون الدبر" فعرفت تأويلها يومئذ. وقال البخاري: حدثنا إبراهيم بن موسى، حدثنا هشام بن يوسف: أن ابن جريج أخبرهم، أخبرني يوسف بن ماهك قال: إني عند عائشة أم المؤمنين، فقالت: نزل على محمد صلى الله عليه وسلم بمكة، وإني لجارية ألعب: { بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَٱلسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ } هكذا رواه ههنا مختصراً، ورواه في فضائل القرآن مطولاً، ولم يخرجه مسلم.