التفاسير

< >
عرض

سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ ٱلثَّقَلاَنِ
٣١
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٣٢
يٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ فَٱنفُذُواْ لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ
٣٣
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٣٤
يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ
٣٥
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٣٦
-الرحمن

تفسير القرآن العظيم

قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: { سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا ٱلثَّقَلاَنِ } قال: وعيد من الله تعالى للعباد، وليس بالله شغل، وهو فارغ، وكذا قال الضحاك: هذا وعيد، وقال قتادة: قد دنا من الله فراغ لخلقه، وقال ابن جريج: { سَنَفْرُغُ لَكُمْ } أي: سنقضي لكم، وقال البخاري: سنحاسبكم، لا يشغله شيء عن شيء، وهو معروف في كلام العرب، يقال: لأتفرغن لك، وما به شغل، يقول: لآخذنك على غرتك. وقوله تعالى: { أَيُّهَا ٱلثَّقَلاَنِ } الثقلان: الإنس والجن كما جاء في الصحيح: "ويسمعها كل شيء إلا الثقلين" وفي رواية: "إلا الإنس والجن" . وفي حديث الصور: "الثقلان: الإنس والجن" { فَبِأَىِّ ءَالاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } ثم قال تعالى: { يٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَـٰرِ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ فَٱنفُذُواْ لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَـٰنٍ } أي: لا تستطيعون هرباً من أمر الله وقدره، بل هو محيط بكم، لا تقدرون على التخلص من حكمه، ولا النفوذ عن حكمه فيكم، أينما ذهبتم أحيط بكم، وهذا في مقام الحشر، الملائكة محدقة بالخلائق سبع صفوف من كل جانب، فلا يقدر أحد على الذهاب { إِلاَّ بِسُلْطَـٰنٍ } أي: إلا بأمر الله { { يَقُولُ ٱلإِنسَـٰنُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ ٱلْمَفَرُّ كَلاَّ لاَ وَزَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ } [القيامة: 10 ــــ 12].

وقال تعالى: { { وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ ٱلَّيْلِ مُظْلِماً أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ } [يونس: 27] ولهذا قال تعالى: { يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: الشواظ: هو لهب النار، وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: الشواظ: الدخان، وقال مجاهد: هو اللهب الأخضر المنقطع، وقال أبو صالح: الشواظ هو اللهب الذي فوق النار ودون الدخان. وقال الضحاك { شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ }: سيل من نار. وقوله تعالى: { وَنُحَاسٌ } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: { وَنُحَاسٌ }: دخان النار، وروي مثله عن أبي صالح وسعيد بن جبير وأبي سنان. وقال ابن جرير: والعرب تسمي الدخان نحاساً، بضم النون وكسرها، والقراء مجمعة على الضم، ومن النحاس بمعنى الدخان قول نابغة جعدة:

يُضيءُ كضَوْءِ سراجِ السّليــطِ لَمْ يَجْعَلِ اللّهُ فيهِ نُحاساً

يعني: دخاناً، هكذا قال، وقد روى الطبراني من طريق جويبر عن الضحاك: أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس عن الشواظ فقال: هو اللهب الذي لا دخان معه، فسأله شاهداً على ذلك من اللغة، فأنشده قول أمية بن أبي الصلت في حسان:

أَلا مَنْ مُبْلغٌ حَسَّانَ عنِّيمُغَلْغَلَةً تَدِبُّ إلى عُكاظِ
أليسَ أبوكَ فينا كانَ قَيْناًلدى القَيْنات فَسْلاً في الحِفاظِ
يمانِيّاً يظَلُّ يَشُدُّ كِيْراًويَنْفُخُ دائِباً لَهَبَ الشُّواظِ

قال: صدقت، فما النحاس؟ قال: هو الدخان الذي لا لهب له، قال: فهل تعرفه العرب؟ قال: نعم، أما سمعت نابغة بني ذبيان يقول:

يُضيءُ كضوءِ سراجِ السليــطِ لم يجعلِ اللّهُ فيه نُحاساً

وقال مجاهد: النحاس: الصُّفْر، يذاب فيصب على رؤوسهم، وكذا قال قتادة، وقال الضحاك: ونحاس: سيل من نحاس، والمعنى على كل قول: لو ذهبتم هاربين يوم القيامة، لردتكم الملائكة والزبانية بإرسال اللهب من النار، والنحاس المذاب عليكم؛ لترجعوا، ولهذا قال: { فَلاَ تَنتَصِرَانِ فَبِأَىِّ ءَالاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }.