التفاسير

< >
عرض

مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ
٢٢
لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ
٢٣
ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ
٢٤
-الحديد

تفسير القرآن العظيم

يخبر تعالى عن قدره السابق في خلقه قبل أن يبرأ البرية فقال: { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى ٱلأَرْضِ وَلاَ فِىۤ أَنفُسِكُمْ } أي: في الآفاق وفي نفوسكم { إِلاَّ فِى كِتَـٰبٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ } أي: من قبل أن نخلق الخليقة، ونبرأ النسمة. وقال بعضهم: { مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ }، عائد على النفوس، وقيل: عائد على المصيبة، والأحسن عوده على الخليقة والبرية؛ لدلالة الكلام عليها؛ كما قال ابن جرير: حدثني يعقوب، حدثني ابن علية عن منصور بن عبد الرحمن قال: كنت جالساً مع الحسن، فقال رجل: سله عن قوله تعالى: { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى ٱلأَرْضِ وَلاَ فِىۤ أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِى كِتَـٰبٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ } فسألته عنها، فقال: سبحان الله ومن يشك في هذا؟ كل مصيبة بين السماء والأرض، ففي كتاب الله من قبل أن يبرأ النسمة. وقال قتادة: ما أصاب من مصيبة في الأرض قال: هي السنون، يعني: الجدب، { وَلاَ فِىۤ أَنفُسِكُمْ } يقول: الأوجاع والأمراض، قال: وبلغنا أنه ليس أحد يصيبه خدش عود، ولا نكبة قدم، ولاخلجان عرق، إلا بذنب، وما يعفوالله عنه أكثر.

وهذه الآية الكريمة العظيمة من أدل دليل على القدرية نفاة العلم السابق ــــ قبحهم الله ــــ وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو عبد الرحمن، حدثنا حيوة وابن لهيعة قالا: حدثنا أبو هانىء الخولاني: أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي يقول: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قدر الله المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة" . ورواه مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن وهب وحيوة بن شريح ونافع بن زيد، وثلاثتهم عن أبي هانىء به، وزاد ابن وهب: "وكان عرشه على الماء" ورواه الترمذي، وقال: حسن صحيح. وقوله تعالى: { إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } أي: إن علمه تعالى الأشياء قبل كونها، وكتابته لها طبق ما يوجد في حينها، سهل على الله عز وجل؛ لأنه يعلم ما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون.

وقوله تعالى: { لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ ءَاتَـٰكُمْ } أي: أعلمناكم بتقدم علمنا وسبق كتابتنا للأشياء قبل كونها، وتقديرنا الكائنات قبل وجودها؛ لتعلموا أن ما أصابكم لم يكن ليخطئكم، وما أخطأكم لم يكن ليصيبكم، فلا تأسوا على ما فاتكم؛ لأنه لو قدر شيء، لكان. { وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ ءَاتَـٰكُمْ } أي: جاءكم، وتفسير آتاكم، أي: أعطاكم، وكلاهما متلازم، أي: لا تفخروا على الناس بما أنعم الله به عليكم، فإن ذلك ليس بسعيكم ولا كدكم، وإنما هو عن قدر الله ورزقه لكم، فلا تتخذوا نعم الله أشراً وبطراً تفخرون بها على الناس، ولهذا قال تعالى: { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } أي: مختال في نفسه، متكبر فخور، أي: على غيره. وقال عكرمة: ليس أحد إلا هو يفرح ويحزن، ولكن اجعلوا الفرح شكراً، والحزن صبراً. ثم قال تعالى: { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ } أي: يفعلون المنكر، ويحضون الناس عليه { وَمَن يَتَوَلَّ } أي: عن أمر الله وطاعته { فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِىُّ ٱلْحَمِيدُ } كما قال موسى عليه السلام: { { إِن تَكْفُرُوۤاْ أَنتُمْ وَمَن فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِىٌّ حَمِيدٌ } [إبراهيم: 8].