التفاسير

< >
عرض

لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِٱلْغَيْبِ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ
٢٥
-الحديد

تفسير القرآن العظيم

يقول تعالى: { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَـٰتِ } أي: بالمعجزات، والحجج الباهرات، والدلائل القاطعات، { وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ } وهو النقل الصدق { وَٱلْمِيزَانَ } وهو العدل، قاله مجاهد وقتادة وغيرهما، وهو الحق الذي تشهد به العقول الصحيحة المستقيمة المخالفة للآراء السقيمة؛ كما قال تعالى: { { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ } [هود: 17] وقال تعالى: { { فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا } [الروم: 30] وقال تعالى: { { وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ } [الرحمن: 7] ولهذا قال في هذه الآية: { لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ } أي: بالحق والعدل، وهو اتباع الرسل فيما أخبروا به، وطاعتهم فيما أمروا به، فإن الذي جاؤوا به هو الحق الذي ليس وراءه حق؛ كما قال: { { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً } [الأنعام: 115] أي: صدقاً في الأخبار، وعدلاً في الأوامر والنواهي، ولهذا يقول المؤمنون إذا تبوؤوا غرف الجنات، والمنازل العاليات، والسرر المصفوفات: { { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلاۤ أَنْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ } [الأعراف: 43].

وقوله تعالى: { وَأَنزْلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ } أي: وجعلنا الحديد رادعاً لمن أبى الحق وعانده بعد قيام الحجة عليه، ولهذا أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة توحى إليه السور المكية، وكلها جدال مع المشركين، وبيان وإيضاح للتوحيد، وبينات ودلالات، فلما قامت الحجة على من خالف، شرع الله الهجرة، وأمرهم بالقتال بالسيوف وضرب الرقاب والهام لمن خالف القرآن، وكذب به وعانده. وقد روى الإمام أحمد وأبو داود من حديث عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن حسان بن عطية عن أبي المنيب الجرشي الشامي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم" ولهذا قال تعالى: { فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ } يعني: السلاح؛ كالسيوف والحراب والسنان والنصال والدروع ونحوها، { وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ } أي: في معايشهم؛ كالسكة والفأس والقدوم والمنشار والإزميل والمجرفة والآلات التي يستعان بها في الحراثة والحياكة والطبخ والخبز، وما لا قوام للناس بدونه وغير ذلك. قال علباء بن أحمد عن عكرمة عن ابن عباس قال: ثلاثة أشياء نزلت مع آدم: السندان، والكلبتان، والميقعة، يعني: المطرقة، ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم، وقوله تعالى: { وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِٱلْغَيْبِ } أي: من نيته في حمل السلاح نصرة الله ورسوله، { إِنَّ ٱللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌ } أي: هو قوي عزيز، ينصر من نصره من غير احتياج منه إلى الناس، وإنما شرع الجهاد ليبلو بعضكم ببعض.