التفاسير

< >
عرض

وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ
٢٢
ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ
٢٣
ٱنظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ
٢٤
وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِيۤ ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ ءَايَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوكَ يُجَٰدِلُونَكَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ
٢٥
وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ
٢٦
-الأنعام

تفسير القرآن العظيم

يقول تعالى مخبراً عن المشركين: { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً }: يوم القيامة، فيسألهم عن الأصنام والأنداد، التي كانوا يعبدونها من دونه، قائلاً لهم: { أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } كقوله تعالى في سورة القصص: { { وَيَوْمَ يُنَـٰدِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِىَ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } [القصص: 62] وقوله تعالى: { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ } أي حجتهم إلا أن قالوا: { وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } قال الضحاك: عن ابن عباس: { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ } أي حجتهم، وقال عطاء الخراساني عنه: أي معذرتهم، وكذا قال قتادة. وقال ابن جريج، عن ابن عباس: أي: قيلهم، وكذا قال الضحاك. وقال عطاء الخراساني، { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ } بليتهم حين ابتلوا { إِلاَّ أَن قَالُواْ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } وقال ابن جرير: والصواب: ثم لم يكن قيلهم، عند فتنتنا إياهم، اعتذاراً عما سلف منهم من الشرك بالله، { إِلاَّ أَن قَالُواْ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ }. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو يحيى الرازي، عن عمرو بن أبي قيس، عن مطرف، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: أتاه رجل فقال: يا ابن عباس، سمعت الله يقول: { وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } قال: أما قوله: { وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } فإنهم رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا أهل الصلاة، فقالوا: تعالوا فلنجحد فيجحدون، فيختم الله على أفواههم، وتشهد أيديهم وأرجلهم، ولا يكتمون الله حديثاً، فهل في قلبك الآن شيء؟ إنه ليس من القرآن إلا ونزل فيه شيء، ولكن لا تعلمون وجهه. وقال الضحاك عن ابن عباس: هذه في المنافقين، وفيه نظر، فإن هذه الآية مكية، والمنافقون إنما كانوا بالمدينة، والتي نزلت في المنافقين آية المجادلة: { { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهِ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ } [المجادلة: 18]، الآية، وهكذا قال في حق هؤلاء: { ٱنظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } كقوله: { { ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا } [غافر:73-74] الآية. وقوله: { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِىۤ ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ ءَايَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا } أي: يجيئون ليستمعوا قراءتك، ولا تجزي عنهم شيئاً؛ لأن الله جعل { عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً } أي: أغطية؛ لئلا يفقهوا القرآن { وَفِيۤ ءَاذَانِهِمْ وَقْراً } أي: صمماً عن السماع النافع لهم، كما قال تعالى: { { وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ ٱلَّذِى يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَآءً وَنِدَآءً } [البقرة: 171] الآية، وقوله: { وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ ءَايَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا } أي: مهما رأوا من الآيات والدلالات والحجج البينات والبراهين، لا يؤمنوا بها، فلا فهم عندهم ولا إنصاف، كقوله تعالى: { { وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ } [الأنفال: 23] الآية. وقوله تعالى: { حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوكَ يُجَـٰدِلُونَكَ } أي: يحاجونك ويناظرونك، في الحق بالباطل، { يَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَـٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } أي: ما هذا الذي جئت به، إلا مأخوذاً من كتب الأوائل، ومنقول عنهم، وقوله: { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ } في معنى ينهون عنه قولان: [أحدهما]: أن المراد أنهم ينهون الناس عن اتباع الحق وتصديق الرسول والانقياد للقرآن، { وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ } أي: ويبعدون هم عنه، فيجمعون بين الفعلين القبيحين، لا ينتفعون ولا يدعون أحداً ينتفع، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ }: يردون الناس عن محمد صلى الله عليه وسلم أن يؤمنوا به. وقال محمد ابن الحنفية: كان كفار قريش لا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم وينهون عنه، وكذا قال قتادة ومجاهد والضحاك وغير واحد، وهذا القول أظهر، والله أعلم، وهو اختيار ابن جرير. [والقول الثاني]: رواه سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت، عمن سمع ابن عباس يقول في قوله: { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ } قال: نزلت في أبي طالب، كان ينهى الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤذى، وكذا قال القاسم بن مخيمرة، وحبيب بن أبي ثابت، وعطاء بن دينار، وغيره: أنها نزلت في أبي طالب. وقال سعيد بن أبي هلال: نزلت في عمومة النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا عشرة، فكانوا أشد الناس معه في العلانية، وأشد الناس عليه في السر، رواه ابن أبي حاتم، وقال محمد بن كعب القرظي: { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ } أي: ينهون الناس عن قتله، وقوله: { وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ } أي: يتباعدون منه { وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } أي: وما يهلكون بهذا الصنيع، ولا يعود وباله إلا عليهم، وهم لا يشعرون.