التفاسير

< >
عرض

مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
١١
وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ فَإِن تَولَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ
١٢
ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ
١٣
-التغابن

تفسير القرآن العظيم

يقول تعالى مخبراً بما أخبر به في سورة الحديد: { { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَـٰبٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } [الحديد: 22]. وهكذا قال ههنا: { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } قال ابن عباس: بأمر الله، يعني: عن قدره ومشيئته { وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } أي ومن أصابته مصيبة، فعلم أنها بقضاء الله وقدره، فصبر واحتسب، واستسلم لقضاء الله، هدى الله قلبه. وعوضه عما فاته من الدنيا هدى في قلبه ويقيناً صادقاً، وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه، أو خيراً منه. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: { وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } يعني: يهد قلبه لليقين، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.

وقال الأعمش عن أبي ظبيان قال: كنا عند علقمة، فقرىء عنده هذه الآية: { وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } فسئل عن ذلك، فقال: هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله، فيرضى ويسلم. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم في تفسيريهما، وقال سعيد بن جبير ومقاتل بن حيان: { وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } يعني: يسترجع يقول: { { إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَٰجِعونَ } [البقرة: 156].

وفي الحديث المتفق عليه: "عجباً للمؤمن، لا يقضي الله له قضاء، إلا كان خيراً له، إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وليس ذلك لأحدإلا للمؤمن" ، وقال أحمد: حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا الحارث بن يزيد عن علي بن رباح: أنه سمع جنادة ابن أبي أمية يقول: سمعت عبادة بن الصامت يقول: إن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال: "إيمان بالله وتصديق به وجهاد في سبيل الله" قال: أريد أهون من هذا يا رسول الله قال: "السماحة، والصبر" قال: أريد أهون من ذلك يا رسول الله قال: "لا تتهم الله في شيء قضى لك به" لم يخرجوه.

وقوله تعالى: { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } أمر بطاعة الله ورسوله فيما شرع، وفعل ما به أمر، وترك ما عنه نهى وزجر، ثم قال تعالى: { فَإِن تَولَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلَـٰغُ ٱلْمُبِينُ } أي إن نكلتم عن العمل، فإنما عليه ما حمل من البلاغ، وعليكم ما حملتم من السمع والطاعة. قال الزهري: من الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ وعلينا التسليم.

ثم قال تعالى مخبراً: أنه الأحد الصمد الذي لا إله غيره، فقال تعالى: { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } فالأول خبر عن التوحيد، ومعناه معنى الطلب، أي وحدوا الإِلهية له، وأخلصوها لديه، وتوكلوا عليه، كما قال تعالى: { رَّبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَٱتَّخِذْهُ وَكِيلاً }.