التفاسير

< >
عرض

قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ
١٤٤
وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَاسِقِينَ
١٤٥
-الأعراف

تفسير القرآن العظيم

يذكر تعالى أنه خاطب موسى بأنه اصطفاه على أهل زمانه برسالاته تعالى، وبكلامه، ولا شك أن محمداً صلى الله عليه وسلمسيد ولد آدم من الأولين والآخرين، ولهذا اختصه الله تعالى بأن جعله خاتم الأنبياء والمرسلين الذي تستمر شريعته إلى قيام الساعة، وأتباعه أكثر من أتباع سائر الأنبياء والمرسلين كلهم، وبعده في الشرف والفضل إبراهيم الخليل عليه السلام، ثم موسى بن عمران كليم الرحمن عليه السلام ولهذا قال الله تعالى له: { فخذ ما آتيتك } أي: من الكلام والوحي والمناجاة، { وَكُنْ مِّنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ } أي: على ذلك، ولا تطلب ما لا طاقة لك به. ثم أخبر تعالى أنه كتب له في الألواح من كل شيء موعظة، وتفصيلاً لكل شيء. قيل: كانت الألواح من جوهر، وإن الله تعالى كتب له فيها مواعظ وأحكاماً مفصلة مبينة للحلال والحرام، وكانت هذه الألواح مشتملة على التوراة التي قال الله تعالى فيها: { { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَـٰبَ مِن بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ ٱلأُولَىٰ بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ } [القصص: 43] وقيل: الألواح أعطيها موسى قبل التوراة، والله أعلم، وعلى كل تقدير فكانت كالتعويض له عما سأل من الرؤية، ومنع منها، والله أعلم، وقوله: { فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ } أي: بعزم على الطاعة، { وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا } قال سفيان بن عيينة: حدثنا أبو سعيد عن عكرمة عن ابن عباس قال: أمر موسى عليه السلام أن يأخذ بأشد ما أمر قومه. وقوله: { سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَـٰسِقِينَ } أي: سترون عاقبة من خالف أمري، وخرج عن طاعتي، كيف يصير إلى الهلاك والدمار والتباب. قال ابن جرير: وإنما قال: { سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَـٰسِقِينَ } كما يقول القائل لمن يخاطبه: سأريك غداً إلى ما يصير إليه حال من خالف أمري؛ على وجه التهديد والوعيد لمن عصاه وخالف أمره، ثم نقل معنى ذلك عن مجاهد والحسن البصري، وقيل: معناه { سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَـٰسِقِينَ } أي: من أهل الشام، وأعطيكم إياها، وقيل: منازل قوم فرعون، والأول أولى، والله أعلم؛ لأن هذا بعد انفصال موسى وقومه عن بلاد مصر، وهو خطاب لبني إسرائيل قبل دخولهم التيه، والله أعلم.