التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
٥٢
هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ
٥٣
-الأعراف

تفسير القرآن العظيم

يقول تعالى مخبراً عن إعذاره إلى المشركين بإرسال الرسل إليهم بالكتاب الذي جاء به الرسول، وأنه كتاب مفصل مبين كقوله: { { كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءايَـٰتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ } [هود: 1] الآية، وقوله: { فَصَّلْنَـٰهُ عَلَىٰ عِلْمٍ } للعالمين، أي: على علم منا بما فصلناه به؛ كقوله: { { أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ } [النساء: 166] قال ابن جرير: وهذه الآية مردودة على قوله: { { كِتَـٰبٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِى صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ } [الأعراف: 2] الآية، { وَلَقَدْ جِئْنَـٰهُمْ بِكِتَـٰبٍ } الآية، وهذا الذي قاله فيه نظر؛ فإنه قد طال الفصل، ولا دليل عليه، وإنما الأمر أنه لما أخبر بما صاروا إليه من الخسارة في الآخرة، ذكر أنه قد أزاح عللهم في الدنيا بإرسال الرسل وإنزال الكتب؛ كقوله: { { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } [الإسراء: 15] ولهذا قال: { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ } أي: ما وعدوا به من العذاب والنكال، والجنة والنار. قاله مجاهد وغير واحد، وقال مالك: ثوابه.

وقال الربيع: لا يزال يجيء من تأويله أمر حتى يتم يوم الحساب حتى يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، فيتم تأويله يومئذ. وقوله: { يَوْمَ يَأْتِى تَأْوِيلُهُ } أي: يوم القيامة. قال ابن عباس: { يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ } أي: تركوا العمل به، وتناسوه في الدار الدنيا: { قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ } أي: في خلاصنا مما صرنا إليه مما نحن فيه { أَوْ نُرَدُّ } إلى الدار الدنيا { فَنَعْمَلَ غَيْرَ ٱلَّذِى كُنَّا نَعْمَلُ } كقوله: { { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُواْ يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِـآيَـٰتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَـٰدُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ } [الأنعام: 27-28] كما قال ههنا: { قَدْ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } أي: خسروا أنفسهم بدخولهم النار، وخلودهم فيها، { وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } أي: ذهب عنهم ما كانوا يعبدونهم من دون الله، فلا يشفعون فيهم، ولا ينصرونهم، ولا ينقذونهم مما هم فيه.