يقول تعالى: وكما أرسلنا إلى قوم نوح نوحاً، كذلك أرسلنا إلى عاد أخاهم هوداً. قال محمد بن إسحاق: هم ولد عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح، قلت: هؤلاء هم عاد الأولى الذين ذكرهم الله، وهم أولاد عاد بن إرم الذين كانوا يأوون إلى العمد في البر؛ كما قال تعالى:
{ { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ ٱلَّتِى لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِى ٱلْبِلَـٰدِ } [الفجر:6-8] وذلك لشدة بأسهم وقوتهم؛ كما قال تعالى: { { فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِى ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِى خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } [فصلت: 15] وقد كانت مساكنهم باليمن بالأحقاف، وهي جبال الرمل. قال محمد بن إسحاق: عن محمد بن عبد الله بن أبي سعيد الخزاعي، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، سمعت علياً يقول لرجل من حضرموت: هل رأيت كثيباً أحمر، يخالطه مدرة حمراء ذا أراك وسدر كثير بناحية كذا وكذا من أرض حضرموت، هل رأيته؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين والله إنك لتنعته نعت رجل قد رآه، قال: لا، ولكني قد حدثت عنه، فقال الحضرمي: وما شأنه يا أمير المؤمنين؟ قال: فيه قبر هود عليه السلام. رواه ابن جرير. وهذا فيه فائدة أن مساكنهم كانت باليمن؛ فإن هوداً عليه السلام دفن هناك، وقد كان من أشرف قومه نسباً؛ لأن الرسل إنما يبعثهم الله من أفضل القبائل وأشرفهم، ولكن كان قومه كما شدد خلقهم شدد على قلوبهم، وكانوا من أشد الأمم تكذيباً للحق، ولهذا دعاهم هود عليه السلام إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وإلى طاعته وتقواه. { قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ } والملأ: هم الجمهور والسادة والقادة منهم: { إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ ٱلْكَـٰذِبِينَ } أي: في ضلالة حيث تدعونا إلى ترك عبادة الأصنام والإقبال على عبادة الله وحده؛ كما تعجب الملأ من قريش من الدعوة إلى إله واحد، فقالوا:
{ { أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَٰحِداً } [ص: 5] الآية. { قَالَ يَـٰقَوْمِ لَيْسَ بِى سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّى رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } أي: لست كما تزعمون، بل جئتكم بالحق من الله الذي خلق كل شيء فهو رب كل شيء، ومليكه { أُبَلِّغُكُمْ رِسَـٰلـٰتِ رَبِّى وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ } وهذه الصفات التي يتصف بها الرسل: البلاغ، والنصح، والأمانة { أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ } أي: لا تعجبوا أن بعث الله إليكم رسولاً من أنفسكم؛ لينذركم أيام الله ولقاءه، بل احمدوا الله على ذاكم { وَٱذكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ } أي: واذكروا نعمة الله عليكم في جعلكم من ذرية نوح الذي أهلك الله أهل الأرض بدعوته، لما خالفوه وكذبوه { وَزَادَكُمْ فِى ٱلْخَلْقِ بَسْطَةً } أي: زاد طولكم على الناس بسطة، أي: جعلكم أطول من أبناء جنسكم؛ كقوله في قصة طالوت: { { وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي ٱلْعِلْمِ وَٱلْجِسْمِ } [البقرة: 247] { فَٱذْكُرُوۤاْ ءَالآءَ ٱللَّهِ } أي: نعمه ومننه عليكم { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } والآلاء جمع إلى وقيل: أَلى.