التفاسير

< >
عرض

هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً
١
إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً
٢
إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً
٣
-الإنسان

تفسير القرآن العظيم

يقول تعالى مخبراً عن الإنسان: أنه أوجده بعد أن لم يكن شيئاً يذكر؛ لحقارته وضعفه، فقال تعالى: { هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَـٰنِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً }؟ ثم بين ذلك فقال جل جلاله: { إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ } أي: أخلاط، والمشج والمشيج: الشيء المختلط بعضه في بعض، قال ابن عباس في قوله تعالى: { مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ } يعني: ماء الرجل وماء المرأة إذا اجتمعا واختلطا، ثم ينتقل بعد من طور إلى طور، وحال إلى حال، ولون إلى لون، وهكذا قال عكرمة ومجاهد والحسن والربيع ابن أنس: الأمشاج: هو اختلاط ماء الرجل بماء المرأة.

وقوله تعالى: { نَّبْتَلِيهِ } أي: نختبره؛ كقوله جل جلاله: { { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } [الملك: 2] { فَجَعَلْنَـٰهُ سَمِيعاً بَصِيراً } أي: جعلنا له سمعاً وبصراً يتمكن بهما من الطاعة والمعصية.

وقوله جل وعلا: { إِنَّا هَدَيْنَـٰهُ ٱلسَّبِيلَ } أي: بيناه له، ووضحناه وبصرناه به؛ كقوله جل وعلا: { { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَـٰهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ } [فصلت: 18] وكقوله جل وعلا: { { وَهَدَيْنَـٰهُ ٱلنَّجْدَينِ } [البلد: 10] أي: بينا له طريق الخير وطريق الشر، وهذا قول عكرمة وعطية وابن زيد ومجاهد في المشهور عنه، والجمهور. وروي عن مجاهد وأبي صالح والضحاك والسدي: أنهم قالوا في قوله تعالى: { إِنَّا هَدَيْنَـٰهُ ٱلسَّبِيلَ } يعني: خروجه من الرحم، وهذا قول غريب، والصحيح المشهور الأول. وقوله تعالى: { إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } منصوب على الحال من الهاء في قوله: { إِنَّا هَدَيْنَـٰهُ ٱلسَّبِيلَ } تقديره: فهو في ذلك إما شقي وإما سعيد؛ كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل الناس يغدو، فبائع نفسه فموبقها، أو معتقها"

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر عن ابن خثيم عن عبد الرحمن بن سابط عن جابر ابن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة: "أعاذك الله من إمارة السفهاء" قال: وما إمارة السفهاء؟ قال: "أمراء يكونون من بعدي، لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، فمن صدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فأولئك ليسوا مني ولست منهم، ولا يردون على حوضي، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم، فأولئك مني وأنا منهم، وسيردون على حوضي. يا كعب بن عجرة الصوم جنة، والصدقة تطفىء الخطيئة، والصلاة قربات ــــ أو قال: برهان ــــ يا كعب بن عجرة إنه لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت، النار أولى به، يا كعب الناس غاديان، فمبتاع نفسه فمعتقها، وبائع نفسه فموبقها" ورواه عن عفان عن وُهَيب عن عبد الله بن عثمان بن خثيم به. وقد تقدم في سورة الروم عند قوله جل جلاله: { { فِطْرَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا } [الروم: 30] من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه، فإذا أعرب عنه لسانه، فإما شاكراً وإما كفوراً"

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو عامر، حدثنا عبد الله بن جعفر عن عثمان بن محمد عن المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من خارج يخرج إلا ببابه رايتان: راية بيد ملك، وراية بيد شيطان، فإن خرج لما يحب الله، اتبعه الملك برايته، فلم يزل تحت راية الملك حتى يرجع إلى بيته، وإن خرج لما يسخط الله، اتبعه الشيطان برايته، فلم يزل تحت راية الشيطان حتى يرجع إلى بيته" .