التفاسير

< >
عرض

وَٱلنَّازِعَاتِ غَرْقاً
١
وَٱلنَّاشِطَاتِ نَشْطاً
٢
وَٱلسَّابِحَاتِ سَبْحاً
٣
فَٱلسَّابِقَاتِ سَبْقاً
٤
فَٱلْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً
٥
يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ
٦
تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ
٧
قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ
٨
أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ
٩
يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي ٱلْحَافِرَةِ
١٠
أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً
١١
قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ
١٢
فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ
١٣
فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ
١٤
-النازعات

تفسير القرآن العظيم

قال ابن مسعود وابن عباس ومسروق وسعيد بن جبير وأبو صالح وأبو الضحى والسدي: { وَٱلنَّـٰزِعَـٰتِ غَرْقاً }: الملائكة، يعنون: حين تنزع أرواح بني آدم، فمنهم من تأخذ روحه بعسر، فتغرق في نزعها، ومنهم من تأخذ روحه بسهولة، وكأنما حلته من نشاط، وهو قوله: { وَٱلنَّـٰشِطَـٰتِ نَشْطاً } قاله ابن عباس، وعن ابن عباس: { وَٱلنَّـٰزِعَـٰتِ } هي أنفس الكفار تنزع ثم تنشط، ثم تغرق في النار، رواه ابن أبي حاتم. وقال مجاهد: { وَٱلنَّـٰزِعَـٰتِ غَرْقاً }: الموت، وقال الحسن وقتادة: { وَٱلنَّـٰزِعَـٰتِ غَرْقاً وَٱلنَّـٰشِطَـٰتِ نَشْطاً } هي النجوم، وقال عطاء بن أبي رباح في قوله تعالى: { وَٱلنَّـٰزِعَـٰتِ } { وَٱلنَّـٰشِطَـٰتِ } هي القسي في القتال. والصحيح الأول، وعليه الأكثرون. وأما قوله تعالى: { وَٱلسَّـٰبِحَـٰتِ سَبْحاً } فقال ابن مسعود: هي الملائكة، وروي عن علي ومجاهد وسعيد بن جبير وأبي صالح مثل ذلك، وعن مجاهد: { وَٱلسَّـٰبِحَـٰتِ سَبْحاً }: الموت، وقال قتادة: هي النجوم، وقال عطاء بن أبي رباح، هي السفن.

وقوله تعالى: { فَٱلسَّـٰبِقَـٰتِ سَبْقاً } روي عن علي ومسروق ومجاهد وأبي صالح والحسن البصري، يعني: الملائكة، قال الحسن: سبقت إلى الإيمان والتصديق به. وعن مجاهد: الموت. وقال قتادة: هي النجوم، وقال عطاء: هي الخيل في سبيل الله. وقوله تعالى: { فَٱلْمُدَبِّرَٰتِ أَمْراً } قال علي ومجاهد وعطاء وأبو صالح والحسن وقتادة والربيع بن أنس والسدي: هي الملائكة، زاد الحسن: تدبر الأمر من السماء إلى الأرض، يعني: بأمر ربها عز وجل، ولم يختلفوا في هذا، ولم يقطع ابن جرير بالمراد في شيء من ذلك، إلا أنه حكى في المدبرات أمراً: أنها الملائكة، ولا أثبت ولا نفى. وقوله تعالى: { يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ } قال ابن عباس: هما النفختان الأولى والثانية، وهكذا قال مجاهد والحسن وقتادة والضحاك وغير واحد، وعن مجاهد: أما الأولى، وهي قوله جل وعلا: { يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ } فكقوله جلت عظمته: { { يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ } [المزمل: 14] والثانية، وهي الرادفة، فهي كقوله: { { وَحُمِلَتِ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَٰحِدَةً } [الحاقة: 14] وقد قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه" فقال رجل: يا رسول الله أرأيت إن جعلت صلاتي كلها عليك، قال: "إذاً يكفيك الله ما أهمك من دنياك وآخرتك" وقد روى الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم من حديث سفيان الثوري بإسناده مثله، ولفظ الترمذي وابن أبي حاتم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل، قام فقال: "يا أيها الناس اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه"

وقوله تعالى: { قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ } قال ابن عباس: يعني: خائفة، وكذا قال مجاهد وقتادة. { أَبْصَـٰرُهَا خَـٰشِعَةٌ } أي: أبصار أصحابها وإنما أضيف إليها للملابسة، أي: ذليلة حقيرة مما عاينت من الأهوال. وقوله تعالى: { يَقُولُونَ أَءِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِى ٱلْحَـٰفِرَةِ } يعني: مشركي قريش ومن قال بقولهم في إنكار المعاد؛ يستبعدون وقوع البعث بعد المصير إلى الحافرة، وهي القبور، قاله مجاهد، وبعد تمزق أجسادهم، وتفتت عظامهم ونخورها، ولهذا قالوا: { أَءِذَا كُنَّا عِظَـٰماً نَّخِرَةً } وقرىء: (ناخرة) وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة: أي: بالية، قال ابن عباس: وهو العظم إذا بلي ودخلت الريح فيه { قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَـٰسِرَةٌ } وعن ابن عباس ومحمد بن كعب وعكرمة وسعيد بن جبير وأبي مالك والسدي وقتادة: الحافرة: الحياة بعد الموت، وقال ابن زيد: الحافرة: النار، وما أكثر أسماءها هي النار والجحيم وسقر وجهنم والهاوية والحافرة ولظى والحطمة، وأما قولهم: { تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَـٰسِرَةٌ } فقال محمد بن كعب: قالت قريش: لئن أحيانا الله بعد أن نموت، لنخسرن، قال الله تعالى: { فَإِنَّمَا هِىَ زَجْرَةٌ وَٰحِدَةٌ فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ } أي: فإنما هو أمر من الله لا مثنوية فيه ولا تأكيد، فإذا الناس قيام ينظرون، وهو أن يأمر الله تعالى إسرافيل فينفخ في الصور نفخة البعث، فإذا الأولون والآخرون قيام بين يدي الرب عز وجل ينظرون، كما قال تعالى: { يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً } وقال تعالى: { { وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَٰحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِٱلْبَصَرِ } [القمر: 50] وقال تعالى: { { وَمَآ أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ } [النحل: 77].

قال مجاهد: { فَإِنَّمَا هِىَ زَجْرَةٌ وَٰحِدَةٌ }: صيحة واحدة. وقال إبراهيم التيمي: أشد ما يكون الرب عز وجل غضباً على خلقه يوم يبعثهم، وقال الحسن البصري: زجرة من الغضب، وقال أبو مالك والربيع بن أنس: زجرة واحدة: هي النفخة الآخرة. وقوله تعالى: { فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ } قال ابن عباس: الساهرة: الأرض كلها، وكذا قال سعيد بن جبير وقتادة وأبو صالح، وقال عكرمة والحسن والضحاك وابن زيد: الساهرة: وجه الأرض، وقال مجاهد: كانوا بأسفلها، فأخرجوا إلى أعلاها، قال: والساهرة: المكان المستوي، وقال الثوري: الساهرة: أرض الشام، وقال عثمان بن أبي العاتكة: الساهرة: أرض بيت المقدس، وقال وهب بن منبه: الساهرة: جبل إلى جانب بيت المقدس، وقال قتادة أيضاً: الساهرة: جهنم، وهذه أقوال كلها غريبة، والصحيح أنها الأرض؛ وجهها الأعلى.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا خزر بن المبارك الشيخ الصالح، حدثنا بشر بن السري، حدثنا مصعب بن ثابت عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي: { فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ } قال: أرض بيضاء عفراء خالية كالخبزة النقي، وقال الربيع بن أنس: { فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ } يقول الله عز وجل: { { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَـٰوَٰتُ وَبَرَزُواْ للَّهِ ٱلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } [إبراهيم: 48] ويقول تعالى: { { وَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّى نَسْفاً فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً } [طه: 106 ــــ 107] وقال تعالى: { { وَيَوْمَ نُسَيِّرُ ٱلْجِبَالَ وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً } [الكهف: 47] وبرزت الأرض التي عليها الجبال، وهي لا تعد من هذه الأرض، وهي أرض لم يعمل عليها خطيئة، ولم يهرق عليها دم.