التفاسير

< >
عرض

وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ
١
وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ
٢
ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ
٣
إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ
٤
فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ
٥
خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ
٦
يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ
٧
إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ
٨
يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَآئِرُ
٩
فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ
١٠
-الطارق

تفسير القرآن العظيم

يقسم تبارك وتعالى بالسماء، وما جعل فيها من الكواكب النيرة، ولهذا قال تعالى: { وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ } ثم قال: { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ } ثم فسره بقوله: { ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ } قال قتادة وغيره: إنما سمي النجم طارقاً؛ لأنه إنما يرى بالليل، ويختفي بالنهار، ويؤيده ما جاء في الحديث الصحيح: نهى أن يطرق الرجل أهله طروقاً، أي: يأتيهم فجأة بالليل، وفي الحديث الآخر المشتمل على الدعاء: "إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن" . وقوله تعالى: { ٱلثَّاقِبُ } قال ابن عباس: المضيء. وقال السدي: يثقب الشياطين إذا أرسل عليها. وقال عكرمة: هو مضيء ومحرق للشيطان.

وقوله تعالى: { إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ } أي: كل نفس عليها من الله حافظ يحرسها من الآفات؛ كما قال تعالى: { { لَهُ مُعَقِّبَـٰتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } [الرعد: 11]. وقوله تعالى: { فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَـٰنُ مِمَّ خُلِقَ }؟ تنبيه للإنسان على ضعف أصله الذي خلق منه، وإرشاد له إلى الاعتراف بالمعاد؛ لأن من قدر على البداءة، فهو قادر على الإعادة بطريق الأولى؛ كما قال تعالى: { وَهُوَ ٱلَّذِى يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [الروم: 27] وقوله تعالى: { خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ } يعني: المني، يخرج دفقاً من الرجل والمرأة، فيتولد منهما الولد، بإذن الله عز وجل، ولهذا قال: { يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ } يعني: صلب الرجل، وترائب المرأة، وهو صدرها. وقال شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس: { يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ } صلب الرجل، وترائب المرأة، أصفر رقيق لا يكون الولد إلا منهما، وكذا قال سعيد بن جبير وعكرمة وقتادة والسدي وغيرهم، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو أسامة عن مسعر، سمعت الحكم ذكر عن ابن عباس: { يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ } قال: هذه الترائب، ووضع يده على صدره.

وقال الضحاك وعطية عن ابن عباس: تريبة المرأة: موضع القلاده، وكذا قال عكرمة وسعيد بن جبير، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: الترائب: بين ثدييها، وعن مجاهد: الترائب: ما بين المنكبين إلى الصدر، وعنه أيضاً: الترائب: أسفل من التراقي، وقال سفيان الثوري: فوق الثديين، وعن سعيد بن جبير: الترائب: أربعة أضلاع من هذا الجانب الأسفل. وعن الضحاك: الترائب: بين الثديين والرجلين والعينين، وقال الليث بن سعد عن معمر بن أبي حبيبة المدني: أنه بلغه في قول الله عز وجل: { يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ } قال: هو عصارة القلب، من هناك يكون الولد، وعن قتادة: { يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ } من بين صلبه ونحره.

وقوله تعالى: { إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ } فيه قولان: (أحدهما) على رجع هذا الماء الدافق، إلى مقره الذي خرج منه لقادر على ذلك. قاله مجاهد وعكرمة وغيرهما. (والقول الثاني) إنه على رجع هذا الإنسان المخلوق من ماء دافق، أي: إعادته وبعثه إلى الدار الآخرة لقادر؛ لأن من قدر على البداءة، قدر على الإعادة، وقد ذكر الله عز وجل هذا الدليل في القرآن في غير ما موضع، وهذا القول قال به الضحاك، واختاره ابن جرير، ولهذا قال تعالى: { يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَآئِرُ } أي: يوم القيامة تبلى فيه السرائر، أي: تظهر وتبدو، ويبقى السر علانية، والمكنون مشهوراً، وقد ثبت في الصحيحين عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يرفع لكل غادر لواء عند استه، يقال: هذه غدرة فلان بن فلان" وقوله تعالى: { فَمَا لَهُ } أي: الإنسان يوم القيامة { مِّن قُوَّةٍ } أي: في نفسه، { وَلاَ نَاصِرٍ } أي: من خارج منه، أي: لا يقدر على أن ينقذ نفسه من عذاب الله، ولا يستطيع له أحد ذلك.