التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ ٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْقَاعِدِينَ
٤٦
لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ ٱلْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ
٤٧
-التوبة

تفسير القرآن العظيم

يقول تعالى: { وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ } أي: معك إلى الغزو { لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً } أي لكانوا تأهبوا له { وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنبِعَاثَهُمْ } أي: أبغض أن يخرجوا معكم قدراً، { فَثَبَّطَهُمْ } أي: أخرهم، { وَقِيلَ ٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْقَـٰعِدِينَ } أي: قدراً، ثم بين تعالى وجه كراهيته لخروجهم مع المؤمنين فقال: { لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً } أي لأنهم جبناء مخذولون، { ولأَوْضَعُواْ خِلَـٰلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ ٱلْفِتْنَةَ } أي: ولأسرعوا السير والمشي بينكم بالنميمة والبغضاء والفتنة، { وَفِيكُمْ سَمَّـٰعُونَ لَهُمْ } أي مطيعون لهم، ومستحسنون لحديثهم وكلامهم، يستنصحونهم، وإن كانوا لا يعلمون حالهم، فيؤدي إلى وقوع شر بين المؤمنين وفساد كبير. وقال مجاهد وزيد بن أسلم وابن جرير: { وَفِيكُمْ سَمَّـٰعُونَ لَهُمْ } أي: عيون، يسمعون لهم الأخبار، وينقلونها إليهم، وهذا لا يبقى له اختصاص بخروجهم معهم، بل هذا عام في جميع الأحوال. والمعنى الأول أظهر في المناسبة بالسياق، وإليه ذهب قتادة وغيره من المفسرين.

وقال محمد بن إسحاق: كان الذين استأذنوا فيما بلغني من ذوي الشرف، منهم عبد الله بن أبي ابن سلول، والجد بن قيس، وكانوا أشرافاً في قومهم، فثبطهم الله لعلمه بهم أن يخرجوا معه فيفسدوا عليه جنده، وكان في جنده قوم أهل محبة لهم وطاعة فيما يدعونهم إليه؛ لشرفهم فيهم، فقال: { وَفِيكُمْ سَمَّـٰعُونَ لَهُمْ } ثم أخبر تعالى عن تمام علمه فقال: { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّـٰلِمينَ } فأخبر بأنه يعلم ما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، ولهذا قال تعالى: { لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً } فأخبر عن حالهم كيف يكون لو خرجوا، ومع هذا ما خرجوا كما قال تعالى: { { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَـٰدُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ } [الأنعام: 28] وقال تعالى: { { وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ } [الأنفال: 23] وقال تعالى: { { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ ٱقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ أَوِ ٱخْرُجُواْ مِن دِيَـٰرِكُمْ مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً وَإِذاً لأَتَيْنَـٰهُمْ مِّن لَّدُنَّـآ أَجْراً عَظِيماً وَلَهَدَيْنَـٰهُمْ صِرَٰطاً مُّسْتَقِيماً } [النساء: 66-68] والآيات في هذا كثيرة.