يقول تعالى ذكره: استأسَرَّت وجوه الـخـلق، واستسلـمت للـحيّ القـيوم الذي لا يـموت، القـيوم علـى خـلقه بتدبـيره إياهم، وتصريفهم لـما شاءوا. وأصل العنو الذلُّ، يقال منه: عنا وجهه لربه يعنو عنوا، يعنـي خضع له وذلّ، وكذلك قـيـل للأسير: عان لذلة الأسر. فأما قولهم: أخذت الشيء عنوة، فإنه يكون وإن كان معناه يؤول إلـى هذا أن يكون أخذه غلبة، ويكون أخذه عن تسلـيـم وطاعة، كما قال الشاعر:
هَلْ أنْتَ مُطِيعي أيُّها القَلْبُ عَنْوَةًولَـمْ تَلَـحْ نَفْسٌ لـم تلـم فـي اخْتِـيالِهَا
وقال آخر: فَمَا أخَذُوها عَنْوَةً عَنْ مَوَدَّةٍوَلَكِنْ بِحَدّ الـمَشْرَفِـي اسْتَقالَهَا
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنـي علـيّ، قال: ثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: { وَعَنَتِ الوُجُوهُ للْـحَيّ القَـيُّومِ } يقول: ذلَّت.
حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله { وَعَنَتِ الوُجُوهُ للْـحَيّ القَـيُّومِ } يعنـي بعنت: استسلـموا لـي.
حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: { وَعَنَتِ الوُجُوهُ } قال: خشعت.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيْج، عن مـجاهد، مثله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { وَعَنَتِ الوُجُوهُ لِلـحَيّ القَـيُّومِ } أي ذلَّت الوجوه للـحيّ القـيوم.
حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قَتادة، فـي قوله: { وَعَنَتِ الوُجُوهُ للـحَيّ القَـيُّومِ } قال: ذلت الوجوه.
حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: ثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان، عن أبـيه، قال: قال طلق: إذا سجد الرجل فقد عنا وجهه، أو قال: عنا.
حدثنـي أبو حُصَين عبد الله بن أحمد، قال: ثنا عبثر، قال: ثنا حصين، عن عمرو بن مرّة، عن طلق بن حبـيب، فـي هذه الآية: { وَعَنَتِ الوُجُوهُ للْـحَيّ القَـيُّومِ } قال: هو وضع الرجل رأسه ويديه وأطراف قدميه.
حدثنـي أبو السائب، قال: ثنا ابن فضيـل، عن لـيث، عن عمرو بن مرّة، عن طلق بن حبـيب فـي قوله: { وَعَنَتِ الوُجُوهُ للْـحَيّ القَـيُّومِ } قال: وهو وضعك جبهتك وكفـيك وركبتـيك وأطراف قدميك فـي السجود.
حدثنا خلاد بن أسلـم، قال: ثنا مـحمد بن فضيـل، عن حصين، عن عمرو بن مرّة، عن طلق بن حبـيب فـي قوله: { وَعَنَتِ الوُجُوهُ للْـحَيّ القَـيُّومِ } قال: وضع الـجبهة والأنف علـى الأرض.
حدثنـي يعقوب: قال: ثنا هشيـم، قال: أخبرنا حصين، عن عمرو بن مرّة، عن طلق بن حبـيب، فـي قوله: { وَعَنَتِ الوُجُوهُ للْـحَيّ القَـيُّومِ } قال: هو السجود علـى الـجبهة والراحة والركبتـين والقدمين.
حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { وَعَنَتِ الوُجُوهُ للْـحَيّ القَـيُّومِ } قال: استأسرت الوجوه للـحيّ القـيوم، صاروا أسارى كلهم له. قال: والعانـي: الأسير.
وقد بـيَّنا معنى الـحيّ القـيوم فـيـما مضى، بـما أغنى عن إعادته هاهنا. وقوله: { وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْـماً } يقول تعالـى ذكره: ولـم يظفر بحاجته وطلبته من حَمل إلـى موقـف القـيامة شركاً بـالله، وكفراً به، وعملاً بـمعصيته. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، فـي قوله: { وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْـماً } قال: من حمل شركاً.
حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْـماً } قال: من حمل شركاً، الظلـم هاهنا: الشرك.