يقول تعالـى ذكره: { وَلـمَّا بَلَغَ } موسى { أشُدَّهُ }، يعنـي حان شدّه بدنه وقواه، وانتهى ذلك منه. وقد بَّـينا معنى الأشدّ فـيـما مضى بشواهده، فأغنـي ذلك عن إعادته فـي هذا الـموضع.
وقوله: { وَاسْتَوَى } يقول: تناهى شبـابه، وتـمّ خـلقه واستـحكم. وقد اختلف فـي مبلغ عدد سنـي الاستواء، فقال بعضهم: يكون ذلك فـي أربعين سنة.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفـيان، عن لـيث، عن مـجاهد، فـي قوله: { وَاسْتَوَى } قال: أربعين سنة.
حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: { وَلَـمَّا بَلَغَ أشُدَّهُ } قال: ثلاثاً وثلاثـين سنة. قوله: { وَاسْتَوَى } قال: بلغ أربعين سنة.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد، مثله.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفـيان، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس { وَلَـما بَلَغَ أشُدَّهُ } قال: بضعاً وثلاثـين سنة.
قال: ثنا سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد { وَلـما بَلَغَ أشُدَّهُ } قال: ثلاثاً وثلاثـين سنة.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن قَتادة { أشُدَّهُ وَاسْتَوَى } قال: أربعين سنة، وأشدّه: ثلاثاً وثلاثـين سنة.
حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: { وَلـمَّا بَلَغَ أشُدَّهُ واسْتَوَى } قال: كان أبـي يقول: الأشدّ: الـجلَد، والاستواء: أربعون سنة.
وقال بعضهم: يكون ذلك فـي ثلاثـين سنة.
وقوله: { وآتَـيْناهُ حُكْماً وَعِلْـماً } يعنـي الـحكم: الفهم بـالدين والـمعرفة. كما:
حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد { آتَـيْناهُ حُكْماً وَعِلْـماً } قال: الفقه والعقل والعمل قبل النبوّة.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد { آتَـيْناه حُكْماً وَعِلْـماً } قال: الفقه والعمل قبل النبوّة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق { وَلـمَّا بَلَغَ أشُدَّهُ وَاسْتَوَى } آتاه الله حكماً وعلـماً وفقهاً فـي دينه ودين آبـائه، وعلـما بـما فـي دينه وشرائعه وحدوده.
وقوله: { وكذلكَ نَـجّزِي الـمُـحْسِنِـينَ } يقول تعالـى ذكره: كما جزينا موسى علـى طاعته إيانا وإحسانه بصبره علـى أمرنا، كذلك نـجزي كلّ من أحسن من رسلنا وعبـادنا، فصبر علـى أمرنا وأطاعنا، وانتهى عما نهيناه عنه.