يقول تعالى ذكره: وهذا كتاب أنزلناه مبارك، لئلا يقول المشركون من عبدة الأوثان من قريش: إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا، أو لئلا يقولوا: { لَوْ أنَّا أنْزِلَ عَلَيْنا الكِتابَ } كما أنزل على هاتين الطائفتين من قبلنا، فأمرنا فيه ونهينا، وبَيَّن لنا فيه خطأ ما نحن فيه من صوابه. { لَكُنَّا أهْدَى مِنْهُمْ }: أي لكنا أشدّ استقامة على طريق الحقّ واتباعاً للكتاب، وأحسن عملاً بما فيه من الطائفتين اللتين أنزل عليهما الكتاب من قبلنا. يقول الله: { فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ } يقول: فقد جاءكم كتاب بلسانكم عربيّ مبين، حجة عليكم واضحة بينة من ربكم. { وَهُدًى } يقول: وبيان للحقّ، وفرقان بين الصواب والخطأ. { وَرَحْمَةً } لمن عمل به واتبعه. كما:
حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ: { أوْ تَقُولُوا لَوْ أنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنا الكَتابُ لَكُنَّا أهدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ } يقول: قد جاءكم بينة لسان عربيّ مبين، حين لم تعرفوا دراسة الطائفتين، وحين قلتم: لو جاءنا كتاب لكنا أهدى منهم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { أوْ تَقُولُوا لَوْ أنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنا الكِتابُ لَكُنَّا أهْدَى مِنْهُمْ } فهذا قول كفار العرب، { فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ }.
القول في تأويل قوله تعالى: { فَمَنْ أظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بآياتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجزْي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ }.
يقول جلّ ثناؤه: فمن أخطأُ فعلاً وأشدّ عدواناً منكم أيها المشركون، المكذّبون بحجج الله وأدلته وهي آياته. { وَصَدَفَ عَنْها } يقول: وأعرض عنها بعد ما أتته، فلم يؤمن بها ولم يصدّق بحقيقتها. وأخرج جلّ ثناؤه الخبر بقوله: { فَمَنْ أظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بآياتِ اللّهِ } مخرج الخبر عن الغائب، والمعنّي به المخاطبون به من مشركي قريش.
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: { وَصَدَفَ عَنْها } قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: { وَصَدَفَ عَنْها } يقول: أعرض عنها.
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا }: يعرضون عنها، والصدف: الإعراض.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { وَصَدَفَ عَنْها } أعرض عنها، { سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ العَذَابِ بِمَا كانُوا يَصْدِفُونَ } أي يعرضون.
حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ: { وَصَدَفَ عَنْها } فصدّ عنها.
وقوله: { سَنَجزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الَعَذَابِ } يقول: سيثيب الله الذين يعرضون عن آياته وحججه ولا يتدبرونها ولا يتعرّفون حقيقتها فيؤمنوا بما دلتهم عليه من توحيد الله وحقية نبوّة نبيه وصدق ما جاءهم به من عند ربهم { سُوءَ العَذَاب } يقول: شديد العقاب، وذلك عذاب النار التي أعدّها الله لكفرة خلقه به. { بِمَا كانُوا يَصْدِفُونَ } يقول: يفعل الله ذلك بهم، جزاء بما كانوا يعرضون عن آياته في الدنيا فلا يقبلون ما جاءهم به نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم.