يقول تعالى ذكره: عسى ربّ محمد إن طلقكنّ يا معشر أزواج محمد صلى الله عليه وسلم أن يبدله منكنّ أزواجاً خيراً منكن.
وقيل: إن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم تحذيراً من الله نساءه لما اجتمعن عليه في الغيرة. ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم، قالا: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اجتمع على رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه في الغيرة فقلت لهنّ: عسى ربه إن طلقهن أن يبدله أزواجاً خيراً منكنّ، قال: فنزل كذلك.
حدثنا يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن حميد، عن أنس، عن عمر، قال: يلغني عن بعض أمهاتنا، أمهات المؤمنين شدّة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذاهنّ إياه، فاستقريتهنّ امرأة امرأة، أعظها وأنهاها عن أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقول: إن أبيتنّ أبدله الله خيراً منكن، حتى أتيت، حسبت أنه قال على زينب، فقالت: يا بن الخطاب، أما في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعظ نساءه حتى تعظهنّ أنت؟ فأمسكت، فأنزل الله { عَسَى رَبُّهُ إنْ طَلَّقَكُنَّ أنْ يُبْدِلَهُ أزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ }.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن حميد، عن أنس، قال: قال عمر بن الخطاب: يلغني عن أمهات المؤمنين شيء، فاستقريتهنّ أقول: لتكففن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ليبدلنه الله أزواجاً خيراً منكنّ، حتى أتيت على إحدى أمهات المؤمنين، فقالت: يا عمر أما في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعظ نساءه حتى تعظهنّ أنت؟ فكففت، فأنزل الله { عَسَى رَبُّهُ إنْ طَلَّقَكُنَّ أنْ يُبْدلَهُ أزْوَجا خَيْرا مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مؤْمِناتٍ }... الآية.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: { أنْ يُبْدِلَهُ } فقرأ ذلك بعض قرّاء مكة والمدينة والبصرة بتشديد الدال: «يبدّله أزواجاً» من التبديل وقرأه عامة قرّاء الكوفة: { يُبْدِ له } بتخفيف الدال من الإبدال.
والصواب من القول أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.
وقوله: { مُسْلِماتٍ } يقول: خاضعات لله بالطاعة مُؤْمِناتٍ يعني مصدّقات بالله ورسوله.
وقوله { قَانِتات } يقول: مطيعات لله، كما:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله { قانتاتٍ } قال: مطيعات.
حدثني ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله { قانِتاتٍ } قال مطيعات.
وقوله: { تائِباتٍ } يقول: راجعات إلى ما يحبه الله منهنّ من طاعته عما يكرهه منهنّ { عابِدَاتٍ } يقول: متذللات لله بطاعته. وقوله { سائحاتٍ } يقول: صائمات.
واختلف أهل التأويل في معنى قوله: { سائحات } فقال بعضهم: معنى ذلك: صائمات. ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله { سائحات } قال: صائمات.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، ثنا سعيد، عن قتادة، قوله { سَائحاتٍ } قال: صائمات.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال { السَّائحات }: الصائمات.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: { سائحاتٍ } يعني: صائمات.
وقال آخرون: السائحات: المهاجرات. ذكر من قال ذلك:
حدثنا إسحق بن إسرائيل، قال: ثنا عبد العزيز بن محمد الدراورديّ، عن زيد بن أسلم، قال: السائحات: المهاجرات.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله { سائحات } قال: مهاجرات ليس في القرآن، ولا في أمة محمد سياحة إلا الهجرة، وهي التي قال الله
{ { السَّائحُونَ } }. وقد بيَّنا الصواب من القول في معنى السائحين فيما مضى قبل بشواهده مع ذكرنا أقوال المختلفين فيه، وكرهنا إعادته. وكان بعض أهل العربية يقول: نرى أن الصائم إنما سمي سائحاً، لأن السائح لا زاد معه، وإنما يأكل حيث يجد الطعام، فكأنه أُخذ من ذلك.
وقوله: { ثَيِّباتٍ } وهنّ اللواتي قد افترعن وذهبت عذرتهنّ { وأبْكاراً } وهنّ اللواتي لم يجامعن، ولم يفترعن.