. اختلف أهل التأويل في معنى قوله: { وَإذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ } فقال بعضهم: معنى ذلك: ماتت. ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ بن مسلم الطوسي، قال: ثنا عباد بن العوّام، قال: أخبرنا حصين، عن عكرِمة، عن ابن عباس، في قول الله: { وَإذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ } قال: حَشْرُ البهائم: موتها، وحشر كل شيء: الموت، غير الجنّ والإنس، فإنهما يوقفان يوم القيامة.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن ربيع بن خيثم { وَإذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ } قال: أتى عليها أمر الله، قال سفيان، قال أبي، فذكرته لعكرِمة، فقال: قال ابن عباس: حَشْرُها: موتها.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن الربيع بن خيثم، بنحوه.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وإذا الوُحوش اختلطت. ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسين بن حريث، قال: ثنا الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقد، عن الربيع بن أنس عن أبي العالية، قال: ثني أُبيّ بن كعب { وَإذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ } قال: اختلطت.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: جُمعت. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { وَإذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ } هذه الخلائق موافية يوم القيامة، فيقضي الله فيها ما يشاء.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى حشرت: جمعت، فأميتت لأن المعروف في كلام العرب من معنى الحشر: الجمع ومنه قول الله
{ { والطَّيْرَ مَحْشُورَةً } يعني: مجموعة. وقوله:
{ { فَحَشَرَ فَنادَى } وإنما يحمل تأويل القرآن على الأغلب الظاهر من تأويله، لا على الأنكر المجهول. وقوله: { وَإذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ } اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: وإذا البحار اشتعلت ناراً وحَمِيت. ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسين بن حريث، قال: ثنا الفضل بن موسى، قال: ثنا الحسين بن واقد، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، قال: ثني أُبيّ بن كعب { وَإذَا الّبِحارُ سُجِّرَتْ } قال: قالت الجنّ للإنس: نحن نأتيكم بالخبر، فانطلقوا إلى البحار، فإذا هي تأجَّج ناراً.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن داود، عن سعيد بن المسيب، قال: قال عليّ رضي الله عنه لرجل من اليهود: أين جهنم؟ فقال: البحر، فقال: ما أراه إلا صادقاً
{ { والْبَحْرِ المَسَجْورِ } «وَإذَا الْبِحارُ سُجِرَتْ» مخففة. حدثني حوثرة بن محمد المنِقريّ، قال: ثنا أبو أسامة، قال: ثنا مجالد، قال: أخبرني شيخ من بجيلة عن ابن عباس، في قوله:
{ { إذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ } قال: كوّر الله الشمس والقمر والنجوم في البحر، فيبعث عليها ريحاً دبوراً، فتنفخه حتى يصير ناراً، فذلك قوله: { وَإذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ }. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { وَإذَا الْبِحارُ سُجرَتْ } قال: إنها توقد يوم القيامة، زعموا ذلك التسجير في كلام العرب.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن حفص بن حميد، عن شمر بن عطية، في قوله:
{ { والْبَحْر المَسْجُور } قال: بمنزلة التنور المسجور { وَإذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ } مثله. قال: ثنا مهران، عن سفيان { وَإذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ } قال: أُوقدت.
وقال آخرون: معنى ذلك: فاضت. ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن ربيع بن خيثم { وَإذَا الْبحارُ سُجِّرَتْ } قال: فاضت.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن ربيع، مثله.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الكلبي، في قوله: { وَإذَا الّبِحارُ سُجِّرَتْ } قال: مُلئت، ألا ترى أنه قال:
{ { وَالبَحْرِ المَسْجُورِ } . حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: { وَإذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ } يقول: فُجِّرت.
وقال آخرون: بل عني بذلك أنه ذهب ماؤها. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { وإذا الْبِحارَ سُجِّرَتْ } قال: ذهب ماؤها فلم يبق فيها قطرة.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { وَإذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ } قال: غار ماؤها فذهب.
حدثني الحسين بن محمد الذارع، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن الحسين، في هذا الحرف { وَإذَا الْبحارُ سُجِّرَتْ } قال: يبست.
حدثنا الحسين بن محمد، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا أبو رجاء، عن الحسن، بمثله.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: { وَإذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ } قال: يبَست.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: قول من قال: معنى ذلك: مُلئت حتى فاضت، فانفجرت وسالت كما وصفها الله به في الموضع الآخر، فقال: وإذا البحار فجِّرت والعرب تقول للنهر أو للرَّكيّ المملوء: ماء مسجور ومنه قول لبيد:
فَتَوَسَّطا عُرْضَ السَّرِى وَصَدَّعا مَسْجُورَةً مُتَجاوِرا قُلاَّمُها
ويعني بالمسجورة: المملوءة ماء. واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والكوفة: { سُجِّرَتْ }: بتشديد الجيم. وقرأ ذلك بعض قرّاء البصرة: بتخفيف الجيم. والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.
وقوله: { وَإذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: ألحق كلّ إنسان بشكله، وقرن بين الضُّرَباء والأمثال. ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن سماك، عن النعمان بن بشير، عن عمر رضي الله عنه { وَإذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } قال: هما الرجلان يعملان العمل الواحد يدخلان به الجنة، ويدخلان به النار.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن سماك بن حرب، عن النعمان بن بشير، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه { وَإذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } قال: هما الرجلان يعملان العمل، فيدخلان به الجنة، وقال:
{ { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ } ، قال: ضرباءهم. حدثنا ابن حميد، قال:ثنا مهران، عن سفيان، عن سماك بن حرب، عن النعمان بن بشير، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه { وَإذَا النُّفْوسُ زُوِّجَتْ } قال: هما الرجلان يعملان العمل، يدخلان به الجنة أو النار.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك بن حرب أنه سمع النعمان بن بشير يقول: سمعت عمر بن الخطاب وهو يخطب، قال:
{ { وكُنْتُمْ أزْوَاجاً ثَلاثَةً فأصحَابُ المَيْمَنَةِ ما أصحَابُ المَيْمَنَةِ وأصحَابُ المَشأَمَة ما أصحَابُ المَشأَمَةِ والسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ المُقَرَّبُونَ } ثم قال: { وَإذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } قال: أزواج في الجنة، وأزواج في النار. حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن النعمان بن بشير، قال: سُئل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن قول الله: { وَإذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } قال: يُقْرن بين الرجل الصالح مع الرجل الصالح في الجنة، وبين الرجل السَّوء مع الرجل السَّوء في النار.
حدثني محمد بن خلف، قال: ثنا محمد بن الصباح الدَّولابيّ، عن الوليد، عن سماك، عن النعمان بن بشير، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم والنعمان عن عمر قال: { وَإذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } قال: الضُّرَباء كلّ رجل مع كل قوم كانوا يعملون عمله، وذلك أن الله يقول:
{ { وكُنْتُمْ أزْوَاجاً ثَلاثَةً فأصحَابُ المَيْمَنَةِ ما أصحَابُ المَيْمَنَةِ وأصحَابُ المَشأَمَةِ ما أصحَابُ المَشأَمَةِ والسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ } قال: هم الضُّرَباء. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: { وَإذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } قال: ذلك حين يكون الناس أزواجاً ثلاثة.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا هوذة، قال: ثنا عوف، عن الحسن، في قوله: { وَإذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } قال: ألحق كلّ أمرىء بشيعته.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: { وَإذَا النُّفُوسُ زوِّجَتْ } قال: الأمثالُ من الناسُ جُمع بَينهم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { وَإذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } قال: لحق كلّ إنسان بشيعته، اليهود باليهود، والنصارى بالنصارى.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن الربيع بن خيثم { وَإذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } قال: يحشر المرء مع صاحب عمله.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن الربيع، قال: يجيء المرء مع صاحب عمله.
وقال آخرون: بل عُنِي بذلك أن الأرواح ردّت إلى الأجساد فزوّجت بها: أي جعلت لها زوجاً. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، عن أبي عمرو، عن عكرِمة { وَإذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } قال: الأرواح تَرجع إلى الأجساد.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عديّ، عن داود، عن الشعبيّ أنه قال في هذه الآية: { وَإذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } قال: زوّجت الأجساد فرُدّت الأرواح في الأجساد.
حدثني عبيد بن أسباط بن محمد، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن عكرِمة { وَإذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } قال: ردّت الأرواح في الأجساد.
حدثني الحسن بن زريق الطهوي، قال: ثنا أسباط، عن أبيه، عن عكرِمة، مثله.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، قال: أخبرنا داود، عن الشعبيّ، في قوله: { وَإذَ النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } قال: زوّجت الأرواح الأجساد.
وأولى التأويلين في ذلك بالصحة، الذي تأوّله عمر بن الخطاب رضي الله عنه للعلة التي اعتلّ بها، وذلك قول الله تعالى ذكره:
{ { وكنْتُمْ أزْوَاجاً ثَلاثَةً } ، وقوله: { { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلمُوا وأزْوَاجَهُمْ } وذلك لا شكّ الأمثال والأشكال، في الخير والشرّ، وكذلك قوله: { وَإذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } بالقُرَناء والأمثال في الخير والشرّ. وحدثني مطر بن محمد الضبي، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهديّ، قال: ثنا عبد العزيز بن مسلم القسملي عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية في قوله:
{ { إذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ } قال: سيأتي أوّلها والناس ينظرون، وسيأتي آخرها إذا النفوس زوّجت. وقوله: { وَإذَا المَوْءُودةُ سُئِلَتْ بأيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ }؟: اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه أبو الضُّحى مسلم بن صبيح: «وَإذَا المَوْءُودَةُ سأَلَتْ بأيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ»؟ بمعنى: سألت الموءودة الوائدين: بأيّ ذنب قتلوها. ذكر الرواية بذلك:
حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلم، في قوله: { وَإذَا المَوْءُودَةُ سُئِلَتْ }؟ قال: طلبت بدمائها.
حدثنا سوّار بن عبد الله العنبري، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن الأعمش، قال: قال أبو الضحى: «وَإذَا المَوْءُودَةُ سأَلَتْ»؟ قال: سألت قتلتها.
ولو قرأ قارىء ممن قرأ «سأَلَتْ بِأيّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ» كان له وجه، وكان يكون معنى ذلك معنى من قرأ { بِأيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ } غير أنه إذا كان حكاية جاز فيه الوجهان، كما يقال: قال عبد الله بأيّ ذنب ضُرب كما قال عَنترة:
الشَّاتِمَيْ عِرْضِي ولم أشْتُمْهُما والنَّاذِرَيْن إذَا لَقِيتُهُما دَمي
وذلك أنهما كانا يقولان: إذا لقينا عنترة لنقتلنَّه. فحكى عنترة قولهما في شعره وكذلك قول الآخر: رَجُلانِ مِنْ ضَبَّةَ أخْبَرَانا إنَّا رأيْنا رَجُلاً عُرْيانا
بمعنى: أخبرانا أنهما، ولكنه جرى الكلام على مذهب الحكاية. وقرأ ذلك بعض عامة قرّاء الأمصار: { وإذَا المَوْءدَةُ سُئِلَتْ بِأيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ } بمعنى: سُئلت الموءودة بأيّ ذنب قُتلت، ومعنى قُتلت: قتلت، غير أن ذلك ردّ إلى الخبر على وجه الحكاية على نحو القول الماضي قبل، وقد يتوجه معنى ذلك إلى أن يكون: وإذا الموءودة سئلت قَتَلتُها ووائدوها، بأيّ ذنب قتلوها؟ ثم ردّ ذلك إلى ما لم يسمّ فاعله، فقيل: بأيّ ذنب قُتِلَت. وأولى القراءتين في ذلك عندنا بالصواب: قراءة من قرأ ذلك { سُئِلَتْ } بضم السين { بِأيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ } على وجه الخبر، لإجماع الحجة من القرّاء عليه. والموءودة: المدفونة حية، وكذلك كانت العرب تفعل ببناتها ومنه قول الفرزدق بن غالب:
ومِنَّا الَّذي أحْيا الوَئِيدَ وَغائِبٌ وعَمْرٌو، ومنَّا حامِلونَ وَدافِعُ
يقال: وأده فهو يئده وأداً، ووأدة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { وَإذَا المَوْءُودَةُ سُئِلَتْ }: هي في بعض القراءات: «سأَلَتْ بأيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ» لا بذنب، كان أهل الجاهلية يقتل أحدهم ابنته، ويغذو كلبه، فعاب الله ذلك عليهم.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: جاء قيس بن عاصم التميميّ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إني وَأَدت ثماني بنات في الجاهلية، قال:
"فأعْتِقْ عَنْ كُلّ وَاحِدَةٍ بَدَنَةً" . حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يَعلى، عن الربيع بن خيثم { وَإذَا المَوْءُودَةُ سُئِلَتْ } قال: كانت العرب من أفعل الناس لذلك.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعَلى، عن ربيع بن خيثم بمثله.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { وَإذَا المَوْءُودَةُ سُئِلَتْ } قال: البنات التي كانت طوائف العرب يقتلونهنّ، وقرأ: { بأيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ }.
وقوله: { وَإذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ } يقول تعالى ذكره: وإذا صحف أعمال العباد نُشرت لهم، بعد أن كانت مطوية على ما فيها مكتوب، من الحسنات والسيئات. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { وَإذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ } صحيفتك يا بن آدم، تملى ما فيها، ثم تُطَوى، ثم تُنشَر عليك يوم القيامة.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة { نُشِرَتْ } بتخفيف الشين، وكذلك قرأه أيضاً بعض الكوفيين، وقرأ ذلك بعض قرّاء مكة وعامة قرّاء الكوفة، بتشديد الشين. واعتلّ من اعتلّ منهم لقراءته ذلك كذلك، بقول الله:
{ { أنْ يُؤْتَى صُحُفاً مُنَشَّرَةً } ولم يقل منشورة، وإنما حسن التشديد فيه، لأنه خبر عن جماعة، كما يقال: هذه كِباش مُذَبَّحة، ولو أخبر عن الواحد بذلك كانت مخففة، فقيل مذبوحة، فكذلك قوله منشورة.