وكثر الـماء حتـى طغى وارتفع فوق الـجبـال كما تزعم أهل التوراة بخمسة عشر ذراعاً، فبـاد ما علـى وجه الأرض من الـخـلق من كل شيء فـيه الروح أو شجر، فلـم يبق شيء من الـخلائق إلا نوح ومن معه فـي الفلك، وإلا عوج بن عنق فـيـما يزعم أهل الكتاب. فكان بـين أن أرسل الله الطوفـان وبـين أن غاض الـماء ستة أشهر وعشر لـيال. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن الـحسن بن دينار، عن علـيّ بن زيد بن جدعان، قال ابن حميد، قال سلـمة وحدثنـي حسن بن علـيّ بن زيد عن يوسف بن مهران، قال: سمعته يقول: لـما آذى نوحاً فـي الفلك عذرةُ الناس، أمر أن يـمسح ذنب الفـيـل، فمسحه فخرج منه خنزيران، وكفـي ذلك عنه. وإن الفأر توالدت فـي الفلك، فلـما آذته، أمر أن يأمر الأسد يعطس، فعطس فخرج من مَنْـخِريه هرّان يأكلان عنه الفأر.
حدثنا مـحمد بن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفـيان، عن علـيّ بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عبـاس، قال: لـما كان نوح فـي السفـينة، قرض الفأر حبـال السفـينة، فشكا نوح، فأوحي الله إلـيه فمسح ذنب الأسد فخرج سنّوران. وكان فـي السفـينة عذرة، فشكا ذلك إلـى ربه، فأوحي الله إلـيه، فمسح ذنب الفـيـل، فخرج خنزيران.
حدثنا إبراهيـم بن يعقوب الـجوزجانـي، قال: ثنا الأسود بن عامر، قال: أخبرنا سفـيان بن سعيد، عن علـيّ بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عبـاس، بنـحوه.
حُدثت عن الـمسيب بن أبـي رَوْق، عن الضحاك، قال: قال سلـيـمان القَرَاسِي: عمل نوح السفـينة فـي أربع مئة سنة، وأنبت الساج أربعين سنة حتـى كان طوله أربع مئة ذراع، والذراع إلـى الـمنكب.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { مَنْ يَأْتِـيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ ويَحِلُّ عَلَـيْهِ عَذَابٌ مُقِـيـمٌ حتـى إذَا جاءَ أمْرُنا وَفـارَ التُّنُّورُ قُلْنا احْمِلْ فِـيها مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَـيْنِ وأهْلَكَ إلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَـيْهِ القَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إلاَّ قَلِـيـلٌ }.
يقول تعالـى ذكره مخبراً عن قـيـل نوح لقومه: { فَسَوْفَ تَعْلَـمُونَ } أيها القوم إذا جاء أمر الله، من الهالك { مَنْ يَأْتِـيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ } يقول: الذي يأتـيه عذاب الله منا ومنكم يهينه ويذله، { ويحلّ عَلَـيْهِ عَذَابٌ مُقِـيـمٌ } يقول: وينزل به فـي الآخرة مع ذلك عذاب دائم لا انقطاع له، مقـيـم علـيه أبداً.
وقوله: { حتـى إذَا جاءَ أمْرُنا } يقول: ويصنع نوح الفلك حتـى إذا جاء أمرنا الذي وعدناه أن يجيء قومه من الطوفـان الذي يغرقهم.
وقوله: { وَفـارَ التَّنُّورُ } اختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: انبجس الـماء من وجه الأرض، وفـار التنور، وهو وجه الأرض. ذكر من قال ذلك:
حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا هشيـم، قال: أخبرنا العوّام بن حوشب، عن الضحاك، عن ابن عبـاس أنه قال فـي قوله: { وَفـارَ التَّنُّورُ } قال: التنور: وجه الأرض. قال: قـيـل له: إذا رأيت الـماء علـى وجه الأرض، فـاركب أنت ومن معك قال: والعرب تسمى وجه الأرض: تنور الأرض.
حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن العوّام، عن الضحاك، بنـحوه.
حدثنا أبو كريب وأبو السائب، قالا: ثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا الشيبـانـي، عن عكرمة، فـي قوله: { وَفـارَ التَّنُّورُ } قال: وجه الأرض.
حدثنا زكريا بن يحيى بن أبـي زائدة وسفـيان بن وكيع، قالا: ثنا ابن إدريس، عن الشيبـانـي، عن عكرمة: { وَفـارَ التَّنُّورُ } قال: وجه الأرض.
وقال آخرون: هو تنوير الصبح من قولهم: نوّر الصبح تنويراً. ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو هشام الرفـاعي، قال: ثنا مـحمد بن فُضَيـل، قال: ثنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن عبـاس مولـى أبـي جحيفة، عن أبـي جحيفة، عن علـيّ رضي الله عنه، قوله: { حتـى إذَا جاءَ أمْرُنا وَفـارَ التَّنُّورُ } قال: هو تنوير الصبح.
حدثنا ابن وكيع وإسحاق بن إسرائيـل، قالا: ثنا مـحمد بن فضيـل، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن زياد مولـى أبـي جُحيفة، عن أبـي جُحيفة، عن علـيّ فـي قوله: { وَفـارَ التَّنُّورُ } قال: تنوير الصبح.
حدثنا حماد بن يعقوب، قال: أخبرنا ابن فضيـل، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن مولـى أبـي جُحيفة، أراه قد سماه عن أبـي جحيفة، عن علـيّ: { وَفـارَ التَّنُّورُ } قال: تنوير الصبح.
حدثنـي إسحاق بن شاهين، قال: ثنا هشيـم، عن ابن إسحاق، عن رجل من قريش، عن علـيّ بن أبـي طالب رضي الله عنه: { وَفـارَ التَّنُّورُ } قال: طلع الفجر.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنا هشيـم، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن رجل قد سماه، عن علـيّ بن أبـي طالب، قوله: { وَفـارَ التَّنُّورُ } قال: إذا طلع الفجر.
وقال آخرون: معنى ذلك: وفـار علـى الأرض وأشَرفِ مكان فـيها بـالـماء. وقال: التنور أشرف الأرض. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { حتـى إذَا جاء أمْرُنا وَفـارَ التَّنُّورُ } كنا نُـحَدَّث أنه أعلـى الأرض وأشرفها، وكان عَلَـماً بـين نوح وبـين ربه.
حدثنا مـحمد بن بشار، قال: ثنا سلـيـمان، قال: ثنا أبو هلال، قال: سمعت قتادة، قوله: { وَفـارَ التَّنُّورُ } قال: أشرف الأرض وأرفعها فـار الـماء منه.
وقال آخرون: هو التنور الذي يختبز فـيه. ذكر من قال ذلك:
حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: { حتـى إذا جاءَ أمْرُنا وفـارَ التَّنُّورُ } قال: إذا رأيت تنور أهلك يخرج منه الـماء فإنه هلاك قومك.
حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا هشيـم، عن أبـي مـحمد، عن الـحسن، قال: كان تنوراً من حجارة كان لـحواء حتـى صار إلـى نوح، قال: فقـيـل له: إذا رأيت الـماء يفور من التنور فـاركب أنت وأصحابك.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: { وَفـارَ التَّنُّورُ } قال: حين انبجس الـماء وأمر نوح أن يركب هو ومن معه فـي الفلك.
حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَفـارَ التَّنُّورُ قال: انبجس الـماء منه آية أن يركب بأهله ومن معه فـي السفـينة.
حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد نـحوه، إلا أنه قال: آية أن يركب أهله ومن معه فـي السفـينة.
حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، بنـحوه، إلا أنه قال: آية بأن يركب بأهله ومن معهم فـي السفـينة.
حدثنـي الـحرث، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا خـلف بن خـلـيفة، عن لـيث، عن مـجاهد، قال: نبع الـماء فـي التنور، فعلـمت به امرأته فأخبرته. قال: وكان ذلك فـي ناحية الكوفة.
قال: ثنا القاسم، قال: ثنا علـي بن ثابت، عن السري بن إسماعيـل، عن الشعبـي: أنه كان يحلف بـالله ما فـار التنور إلا من ناحية الكوفة.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عبد الـحميد الـحِمَّانـي، عن النضر أبـي عمر الـخزاز، عن عكرمة، عن ابن عبـاس، فـي قوله: { وَفـارَ التَّنُّورُ } قال: فـار التنور بـالهند.
حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ، يقول: ثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: { وَفـارَ التَّنُّورُ } كان آية لنوح إذا خرج منه الـماء فقد أتـي الناس الهلاك والغرق.
وكان ابن عبـاس يقول فـي معنى فـار: نبع.
حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـي، عن ابن عبـاس، قوله: { وَفـارَ التَّنُّورُ } قال: نبع.
قال أبو جعفر: وفوران الـماء سَوْرة دفعته، يقال منه: فـار الـماء يفور فوَرَاناً وفَوْراً، وذاك إذا سارت دفعته.
وأولـى هذه الأقوال عندنا بتأويـل قوله: { التَّنُّور } قول من قال: هو التنور الذي يخبز فـيه لأن ذلك هو الـمعروف من كلام العرب، وكلام الله لا يوجه إلا إلـى الأغلب الأشهر من معانـيه عند العرب إلا أن تقوم حجة علـى شيء منه بخلاف ذلك فـيسلـم لها. وذلك أنه جل ثناؤه إنـما خاطبهم بـما خاطبهم به لإفهامهم معنى ما خاطبهم به.
{ قُلْنَا } لنوح حين جاء عذابنا قومه الذي وعدنا نوحا أن نعذّبهم به، وفـار التنور الذي جعلنا فورانه بـالـماء آية مـجيء عذابنا بـيننا وبـينه لهلاك قومه: { احْمِلْ فِـيها } يعنـي فـي الفلك { مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَـيْنِ } يقول: من كلّ ذكر وأنثى. كما:
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نـمير، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: { مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَـيْنِ } قال: ذكر وأنثى من كلّ صنف.
حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.
حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: { مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَـيْنِ } فـالواحد زوج، والزوجين ذكر وأنثى من كلّ صنف.
قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: { مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَـيْنِ } قال: ذكر وأنثى من كل صنف.
قال: ثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { قُلْنا احْمِلْ فِـيها مِنْ كُلَ زَوْجَيْنِ اثْنَـيْنِ } يقول: من كل صنف اثنـين.
حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: ثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: { مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَـيْنِ } يعنـي بـالزوجين اثنـين: ذكراً وأنثى.
وقال بعض أهل العلـم بكلام العرب من الكوفـيـين: الزوجان فـي كلام العرب: الاثنان، قال: ويقال علـيه زَوْجَا نعال: إذا كانت علـيه نعلان، ولا يقال علـيه زوج نعال، وكذلك عنده زوجا حمام، وعلـيه زوجاً قـيود. وقال: ألا تسمع إلـى قوله: