يقول تعالـى ذكره: { اللّهُ نَزَّلَ أحْسَنَ الـحَدِيثِ كِتابـاً } يعنـي به القرآن { مُتَشابِهاً } يقول: يشبه بعضه بعضاً، لا اختلاف فـيه، ولا تضادّ، كما:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { اللّهُ نَزَّلَ أحْسَنَ الـحَدِيثِ كِتابـاً مُتَشابِهاً }... الآية تشبه الآية، والـحرف يشبه الـحرف.
حدثنا مـحمَّد قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ { كِتابـا مُتَشابِها } قال: الـمتشابه: يشبه بعضه بعضاً.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جُبَـير، فـي قوله: { كِتابـاً مُتَشابِهاً } قال: يشبه بعضه بعضاً، ويصدّق بعضه بعضاً، ويدلّ بعضه علـى بعض.
وقوله: { مَثانِـيَ } يقول: تُثْنَـي فـيه الأنبـاء والأخبـار والقضاء والأحكام والـحُجَج. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا ابن عُلَـية، عن أبـي رجاء، عن الـحسن، فـي قوله: { اللّهُ نَزَّلَ أحْسَنَ الـحَدِيثِ كِتابـاً مُتَشابِهاً مَثانِـيَ } قال: ثنى الله فـيه القضاء، تكون السورة فـيها الآية فـي سورة أخرى آية تشبهها، وسُئل عنها عكرمة.
حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: { كِتابـاً مُتَشابِهاً مَثانِـيَ } قال: فـي القرآن كله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { مَثانِـيَ } قال: ثَنَى الله فـيه الفرائض، والقضاء، والـحدود.
حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: { مَثانِـيَ } قال: كتاب الله مثانـي، ثَنَى فـيه الأمرَ مراراً.
حدثنا مـحمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسبـاط، عن السدي، فـي قوله: { مَثَانِـيَ } قال: كتاب الله مثانـي، ثَنَى فـيه الأمر مراراً.
حدثنا مـحمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: { مَثَانِـيَ } ثنى فـي غير مكان.
حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: { مَثانِـيَ } مردَّد، ردّد موسى فـي القرآن وصالـح وهود والأنبـياء فـي أمكنة كثـيرة.
وقوله: { تَقْشَعِر مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ } يقول تعالـى ذكره: تقشعرّ من سمَاعه إذا تُلـي علـيهم جلودُ الذين يخافون ربهم { ثُمَّ تَلِـينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلـى ذِكْرِ اللّهِ } يعنـي إلـى العمل بـما فـي كتاب الله، والتصديق به.
وذُكر أن هذه الآية نزلت علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل أن أصحابه سألوه الـحديث. ذكر الرواية بذلك:
حدثنا نصر بن عبد الرحمن الأَوْديّ، قال: ثنا حَكام بن سلـم، عن أيوب بن موسى، عن عمرو الـمَلَئي عن ابن عبـاس، قالوا: يا رسول الله لو حدثتنا؟ قال: فنزلت: { اللّهُ نَزَّلَ أحْسَنَ الـحَدِيثِ }.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن أيوب بن سيار أبـي عبد الرحمن، عن عمرو بن قـيس، قال: قالوا: يا نبـيّ الله، فذكر مثله.
{ ذلكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ } يقول تعالـى ذكره: هذا الذي يصيب هؤلاء القوم الذين وصفت صفتهم عند سماعهم القرآن من اقشعرار جلودهم، ثم لـينها ولـين قلوبهم إلـى ذكر الله من بعد ذلك، { هُدَى اللّهِ } يعنـي: توفـيق الله إياهم وفَّقهم له { يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ } يقول: يهدي تبـارك وتعالـى بـالقرآن من يشاء من عبـاده.
وقد يتوجَّه معنى قوله: { ذلكَ هُدَى } إلـى أن يكون ذلك من ذكر القرآن، فـيكون معنى الكلام: هذا القرآن بـيان الله يهدي به من يشاء، يوفق للإيـمان به من يشاء.
وقوله: { وَمَنْ يُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هادٍ } يقول تعالـى ذكره: ومن يخذلْه الله عن الإيـمان بهذا القرآن والتصديق بـما فـيه، فـيضله عنه، فَما له من هاد يقول: فما له من مُوَفِّق له، ومسدد يسدده فـي اتبـاعه.