يقول تعالى ذكره: ويقول الذين صدّقوا الله ورسوله: هلا نزلت سورة من الله تأمرنا بجهاد أعداء الله من الكفار { فإذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ } يعني: أنها محكمة بالبيان والفرائض. وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله «فإذَا أُنْزِلَتْ سُورةٌ مُحْدَثَةٌ».
وقوله:{ وَذُكِرَ فِيها القِتالُ } يقول: وذُكر فيها الأمر بقتال المشركين. وكان قتادة يقول في ذلك ما:
حدثني بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله:{ وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزّلَتْ سُورَةٌ فإذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيها القِتالُ } قال: كلّ سورة ذُكر فيها الجهاد فهي محكمة، وهي أشدّ القرآن على المنافقين.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة:{ وَذُكِرَ فِيها القِتالُ } قال: كل سورة ذُكر فيها القتال فهي محكمة.
وقوله:{ رأيْتَ الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } يقول: رأيت الذين في قلوبهم شك في دين الله وضعف { يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ } يا محمد، { نَظَرَ المَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ المَوْتِ }، خوفاً أن تغزيهم وتأمرهم بالجهاد مع المسلمين، فهم خوفاً من ذلك وتجبنا عن لقاء العدوّ ينظرون إليك نظر المغشيّ عليه الذي قد صرع. وإنما عنى بقوله:{ مِنَ المَوْتِ } من خوف الموت، وكان هذا فعل أهل النفاق. كالذي:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:{ يَنْظُرُونَ إلَيْكَ نَظَرَ المَغْشِيّ عَلَيْهِ مِنَ المَوْتِ } قال: هؤلاء المنافقون طبع الله على قلوبهم، فلا يفقهون ما يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وقوله: { فَأَوْلَى لَهُمْ } يقول تعالى ذكره: فأولى لهؤلاء الذين في قلوبهم مرض.
وقوله: فأوْلَى لَهُمْ وعيد توعَّد الله به هؤلاء المنافقين. كما:
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { فَأَوْلَى لَهُمْ } قال: هذه وعيد، فأولى لهم، ثم انقطع الكلام فقال: { طَاعَةٌ وقَوْلٌ مَعْرُوفٌ }.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله:{ فَأَوْلَى لَهُمْ } قال: وعيد كما تسمعون.
وقوله: { طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ } وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن قيل هؤلاء المنافقين من قبل أن تنزل سورة محكمة، ويذكر فيها القتال، وأنهم إذا قيل لهم: إن الله مفترض عليكم الجهاد، قالوا: سمع وطاعة، فقال الله عزّ وجلّ لهم { إذَا أنْزلَتْ سُورَةٌ } وفُرض القتال فيها عليهم، فشقّ ذلك عليهم، وكرهوه { طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ } قبل وجوب الفرض عليكم، فإذا عزم الأمر كرهتموه وشقّ عليكم.
وقوله:{ طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ } مرفوع بمضمر، وهو قولكم قبل نزول فرض القتال { طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ }.
ورُوي عن ابن عباس بإسناد غيرِ مرتضى أنه قال: قال الله تعالى:{ فَأَوْلَى لَهُمْ } ثم قال للذين آمنوا منهم { طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ } فعلى هذا القول تمام الوعيد فأولى، ثم يستأنف بعد، فيقال لهم { طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ } فتكون الطاعة مرفوعة بقوله: لهم.
وكان مجاهد يقول في ذلك كما:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد { طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ } قال: أمر الله بذلك المنافقين.
وقوله:{ فإذَا عَزَمَ الأمْرُ } يقول: فإذا وجب القتال وجاء أمر الله بفرض ذلك كرهتموه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فإذَا عَزَمَ الأمْرُ قال: إذا جدّ الأمر، هكذا.
قال: محمد بن عمرو في حديثه، عن أبي عاصم، وقال الحارث في حديثه، عن الحسن يقول: جدّ الأمر.
وقوله:{ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ } يقول تعالى ذكره: فلو صدقوا الله ما وعدوه قبل نزول السورة بالقتال بقولهم: إذ قيل لهم: إن الله سيأمركم بالقتال طاعة، فَوَفَّوا له بذلك، لكان خيراً لهم في عاجل دنياهم، وآجل معادهم. كما:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { فإذَا عَزَمَ الأمْرُ } يقول: طواعية الله ورسوله، وقول معروف عند حقائق الأمور خير لهم.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة يقول: طاعة الله وقول بالمعروف عند حقائق الأمور خير لهم.