يعني تعالى ذكره بقوله: { إذَا وَقَعَتِ الوَاقَعةُ }: إذا نزلت صيحة القيامة، وذلك حين يُنفخ في الصور لقيام الساعة. كما:
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: { إذَا وَقَعتِ الوَاقِعَةُ } يعني: الصيحة.
حدثنا عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: { إذَا وَقَعَتِ الوَاقِعَةُ } الواقعة والطامة والصاخة، ونحو هذا من أسماء القيامة، عظَّمه الله، وحذّره عباده.
وقوله: { لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ } يقول تعالى: ليس لوقعة الواقعة تكذيب ولا مردودية ولا مثنوية، والكاذبة في هذا الموضع مصدر، مثل العاقبة والعافية. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ }: أي ليس لها مثنوية، ولا رجعة، ولا ارتداد.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: { لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ } قال: مثنوية.
وقوله: { خافِضَةٌ رَافِعَةٌ } يقول تعالى ذكره: الواقعة حينئذٍ خافضة، أقواماً كانوا في الدنيا، أعزّاء إلى نار الله.
وقوله: { رَافِعَةٌ } يقول: رفعت أقواماً كانوا في الدنيا وُضَعاء إلى رحمة الله وجنته. وقيل: خفضت فأسمعت الأدنى، ورفعت فأسمعت الأقصى. ذكر من قال في ذلك ما قلنا:
حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد الله، يعني العَتَكيّ، عن عثمان بن عبد الله بن سُراقة { خافِضَةٌ رَافِعَةٌ } قال: الساعة خفضت أعداء الله إلى النار، ورفعت أولياء الله إلى الجنة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { خافِضَةٌ رَافِعَةٌ } يقول: تخللت كلّ سهل وجبل، حتى أسمعت القريب والبعيد، ثم رفعت أقواماً في كرامة الله، وخفضت أقواماً في عذاب الله.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { خافِضَةٌ رَافِعَةٌ } قال: أسمعت القريب والبعيد، خافضة أقواماً إلى عذاب الله، ورافعة أقواماً إلى كرامة الله.
حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرِمة، قوله: { خافِضَةٌ رَافِعَةٌ } قال: خفضت وأسمعت الأدنى، ورفعت فأسمعت الأقصى قال: فكان القريب والبعيد من الله سواء.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: { خافِضَةٌ رَافِعَةٌ } قال: سمَّعت القريب والبعيد.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: { خافِضَةٌ رَافِعَةٌ } خفضت فأسمعت الأدنى ورفعت فأسمعت الأقصى، فكان فيها القريب والبعيد سواء.
وقوله: { إذَا رُجَّتِ الأرْضُ رَجًّا } يقول تعالى ذكره: إذا زلزلت الأرض فحرّكت تحريكاً من قولهم السهم يرتجّ في الغرض، بمعنى: يهتزّ ويضطرب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: { إذَا رُجَّتِ الأرْضُ رَجًّا } يقول: زلزلها.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قول الله: { إذَا رُجَّتِ الأرْضُ رَجًّا } قال: زلزلت.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { إذَا رُجَّتِ الأرْضُ رَجًّا } يقول: زلزلت زلزلة.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { إذا رُجَّتِ الأرْضُ رَجًّا } قال: زلزلت زلزالاً.
وقوله: { وَبُسَّتِ الجِبالُ بَسًّا } يقول تعالى ذكره: فتتت الجبال فتا، فصارت كالدقيق المبسوس، وهو المبلول، كما قال جلّ ثناؤه: وكانَتِ الجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً والبسيسة عند العرب: الدقيق والسويق تُلَتُّ وتُتَخَذُوا زاداً.
وذُكر عن لصّ من غَطَفان أنه أراد أن يخبز، فخاف أن يعجل عن الخبز قبل الدقيق وأكله عجيناً، وقال:
لا تَخْبِـــزَا خَبْــزاً وبُسَّـــا بَسَّـــامَلْســـاً بِــــذَوْدِ الحَــلَسِــيّ مَــلْـســـا
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: { وَبُسَّت الجِبالُ بَسًّا } يقول: فتتت فتاً.
حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: { وَبُسَّتِ الجِبالُ بَسًّا } قال: فتتت.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: { وَبُسَّتِ الجِبالُ بَسًّا } قال: كما يبس السويق.
حدثني أحمد بن عمرو البصريّ، قال: ثنا حفص بن عمر العدني، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة { وَبُسَّتِ الجِبالُ بَسًّا } قال: فُتَّتْ فتاً.
حدثني إسماعيل بن موسى بن بنت السديّ، قال: أخبرنا بشر بن الحكم الأحمسيّ، عن سعيد بن الصلت، عن إسماعيل السديّ وأبي صالح { وَبُسَّتِ الجِبالُ بَسًّا } قال: فُتتت فتاً.
حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد { وَبُسَّتِ الجِبالِ بَسًّا } قال: كما يبس السويق.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: { وَبُسَّتِ الجِبالُ بَسًّا } قال: صارت كثيباً مهيلاً كما قال الله.
حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: { وَبُسَّتِ الجِبالُ بَسًّا } قال: فُتتت فتاً.
وقوله: { فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا } اختلف أهل التأويل في معنى الهباء، فقال بعضهم: هو شعاع الشمس الذي يدخل من الكوّة كهيئة الغبار. ذكر من قال ذلك:
حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: { فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا } يقول: شعاع الشمس.
حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد { هَباءً مُنْبَثًّا } قال: شعاع الشمس حين يدخل من الكوّة.
قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: { فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا } قال: شعاع الشمس يدخل من الكوّة، وليس بشيء.
وقال آخرون: هو رهج الدوابّ. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن عليّ رضي الله عنه، قال: رهج الدوابِّ.
وقال آخرون: هو ما تطاير من شرر النار الذي لا عين له. ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: { فَكانَتْ هَباء مُنْبَثًّا } قال: الهباء: الذي يطير من النار إذا اضطرمت، يطير منه الشرر، فإذا وقع لم يكن شيئاً.
وقال آخرون: هو يبيس الشجر الذي تذروه الرياح. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: { فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا } كَيبيس الشجر، تذروه الرياح يميناً وشمالاً.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: { هَباءً مُنْبَثًّا } يقول: الهباء: ما تذروه الريح من حطام الشجر.
وقد بيَّنا معنى الهباء في غير هذا الموضع بشواهده، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وأما قوله: { مُنْبَثًّا } فإنه يعني متفرّقاً.