التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
٣٠
فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَراً إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ
٣١
قَالَتْ فَذٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَٱسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّن ٱلصَّاغِرِينَ
٣٢
قَالَ رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلْجَاهِلِينَ
٣٣
فَٱسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
٣٤
-يوسف

فتح القدير

يقال: "نُسوة" بضم النون، وهي قراءة الأعمش، والمفضل والسُّلَمىّ، ويقال: { نسوة } بكسر النون، وهي قراءة الباقين، والمراد جماعة من النساء، ويجوز التذكير في الفعل المسند إليهنّ كما يجوز التأنيث. قيل: وهي امرأة ساقي العزيز وامرأة خبازه، وامرأة صاحب دوابه، وامرأة صاحب سجنه، وامرأة حاجبه. والفتى في كلام العرب: الشاب، والفتاة: الشابة، والمراد به هنا: غلامها، يقال: فتاي وفتاتي أي: غلامي وجاريتي، وجملة { قَدْ شَغَفَهَا حُبّا } في محل رفع على أنها خبر ثانٍ للمبتدأ، أو في محل نصب على الحال، ومعنى { شغفها حباً }: غلبها حبه، وقيل: دخل حبه في شغافها. قال أبو عبيدة: وشغاف القلب غلافه وهو جلدة عليه. وقيل: هو وسط القلب، وعلى هذا يكون المعنى: دخل حبه إلى شغافها فغلب عليه، وأنشد الأصمعي قول الراجز:

يتبعها وهي له شغاف

وقرأ جعفر بن محمد، وابن محيصن، والحسن "شعفها" بالعين المهملة. قال ابن الأعرابي: معناه أجرى حبه عليها. وقرأ غيرهم بالمعجمة. قال الجوهري: شغفه الحبّ: أحرق قلبه. وقال أبو زيد: أمرضه. قال النحاس: معناه عند أكثر أهل اللغة: قد ذهب بها كل مذهب؛ لأن شغاف الجبال: أعاليها، وقد شغف بذلك شغفاً بإسكان الغين المعجمة: إذا ولع به، وأنشد أبو عبيدة بيت امرىء القيس:

أتقتلني وقد شغفت فؤادها كما شغف المهنوءَة الرجل الطالي

قال: فشبهت لوعة الحب بذلك. وقرأ الحسن: "قد شغفها" بضم الغين. قال النحاس: وحكي قد شغفها بكسر الغين، ولا يعرف ذلك في كلام العرب إلاّ شغفها بفتح الغين. ويقال: إن الشغاف الجلدة اللاصقة بالكبد التي لا ترى، وهي الجلدة البيضاء، فكأنه لصق حبه بقلبها كلصوق الجلدة بالكبد، وجملة { إِنَّا لَنَرَاهَا فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } مقرّرة لمضمون ما قبلها. والمعنى: إنا لنراها، أي: نعلمها في فعلها هذا، وهو المراودة لفتاها في ضلال عن طريق الرشد والصواب المبين: واضح لا يلتبس على من نظر فيه.

{ فَلَمَّا سَمِعَتْ } امرأة العزيز { بِمَكْرِهِنَّ } أي: بغيبتهنّ إياها، سميت الغيبة مكراً لاشتراكهما في الإخفاء، وقيل: أردن أن يتوسلن بذلك إلى رؤية يوسف، فلهذا سمي قولهنّ مكراً. وقيل: إنها أسرّت عليهنّ فأفشين سرّها فسمي ذلك مكراً، { أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ } أي: تدعوهنّ إليها لينظرن إلى يوسف حتى يقعن فيما وقعت فيه { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ متكأ } أي: هيأت لهن مجالس يتكئن عليها، وأعتدت من الاعتداد، وهو كل ما جعلته عدّة لشيء. وقرأ مجاهد وسعيد بن جبير { متكأ } مخففاً غير مهموز، والمتك: هو الأترج بلغة القبط، ومنه قول الشاعر:

نشرب الإثم بالصواع جهاراً وترى المتك بيننا مستعارا

وقيل: إن ذلك هو لغة أزد شنوءة. وقيل: حكي ذلك عن الأخفش. وقال الفراء: إنه ماء الورد. وقرأ الجمهور { متكأ } بالهمز والتشديد، وأصح ما قيل فيه: إنه المجلس، وقيل: هو الطعام، وقيل: المتكأ: كل ما اتكىء عليه عند طعام أو شراب أو حديث. وحكى القتيبي أنه يقال: اتكأنا عند فلان، أي: أكلنا، ومنه قول الشاعر:

فظللنا بنعمةٍ واتكأنا وشربنا الحلال من قلله

ويؤيد هذا قوله: { وآتت كل واحدة منهن سكيناً } فإن ذلك إنما يكون لشيء يأكلنه بعد أن يقطعنه، والسكين تذكر وتؤنث، قاله الكسائي والفراء. قال الجوهري: والغالب عليه التذكير، والمراد من إعطائها لكل واحدة سكيناً: أن يقطعن ما يحتاج إلى التقطيع من الأطعمة، ويمكن أنها أرادت بذلك ما سيقع منهنّ من تقطيع أيديهنّ وقالت ليوسف { ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ } أي: في تلك الحالة التي هنّ عليها من الاتكاء والأكل وتقطيع ما يحتاج إلى التقطيع من الطعام.

قوله: { فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ } أي: عظمنه، وقيل: أمذين، ومنه قول الشاعر:

إذا ما رأين الفحل من فوق قلة صهلن وأكبرن المنيّ المقطرا

وقيل: حضن. قال الأزهري: "أكبرن" بمعنى حضن، والهاء للسكت، يقال: أكبرت المرأة أي: دخلت في الكبر بالحيض، وقع منهنّ ذلك دهشاً وفزعاً لما شاهدنه من جماله الفائق، وحسنه الرائق، ومن ذلك قول الشاعر:

نأتي النساء على أطهارهنّ ولا نأتي النساء إذا أكبرن إكبارا

وأنكر ذلك أبو عبيدة وغيره، قالوا: ليس ذلك في كلام العرب. قال الزجاج: يقال: أكبرنه ولا يقال: حضنه، فليس الإكبار بمعنى الحيض. وأجاب الأزهري فقال: يجوز أن تكون هاء الوقف لا هاء الكناية. وقد زيف هذا بأن هاء الوقف تسقط في الوصل. وقال ابن الأنباري: إن الهاء كناية عن مصدر الفعل أي: أكبرن إكباراً بمعنى حضن حيضاً { وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } أي: جرحنها، وليس المراد به القطع الذي تبين منه اليد، بل المراد به: الخدش والحزّ، وذلك معروف في اللغة كما قال النحاس، يقال: قطع يد صاحبه إذا خدشها. وقيل: المراد بأيديهنّ هنا: أناملهنّ، وقيل: أكمامهنّ. والمعنى: أنه لما خرج يوسف عليهنّ أعظمنه ودهشن، وراعهنّ حسنه حتى اضطربت أيديهنّ فوقع القطع عليها، وهنّ في شغل عن ذلك، بما دهمهنّ، مما تطيش عنده الأحلام، وتضطرب له الأبدان، وتزول به العقول "وقلن حاشا لله" كذا قرأ أبو عمرو بن العلاء بإثبات الألف في حاشا. وقرأ الباقون بحذفها. وقرأ الحسن "حاش لله" بإسكان الشين. وروي عنه أنه قرأ "حاش الإله". وقرأ ابن مسعود وأبي "حاشا لله". قال الزجاج: وأصل الكلمة من الحاشية بمعنى الناحية، تقول كنت في حاشية فلان: أي في ناحيته، فقولك حاشا لزيد من هذا أي: تباعد منه. وقال أبو عليّ: هو من المحاشاة: وقيل: إن حاش حرف، وحاشا فعل، وكلام أهل النحو في هذه الكلمة معروف، ومعناها هنا التنزيه، كما تقول: أسى القوم حاشا زيداً، فمعنى { حاشا لله }: براءة لله وتنزيه له.

قوله: { مَا هَـٰذَا بَشَرًا } إعمال "ما" عمل ليس هي لغة أهل الحجاز، وبها نزل القرآن كهذه الآية، وكقوله سبحانه: { { مَّا هُنَّ أُمَّهَـٰتِهِمْ } [المجادلة: 2]. وأما بنو تميم فلا يعملونها عمل ليس. وقال الكوفيون: أصله ما هذا ببشر، فلما حذفت الباء انتصب. قال أحمد بن يحيـى ثعلب: إذا قلت ما زيد بمنطلق، فموضع الباء موضع نصب، وهكذا سائر حروف الخفض. وأما الخليل، وسيبويه، وجمهور النحويين فقد أعملوها عمل ليس، وبه قال البصريون والبحث مقرّر في كتب النحو بشواهده وحججه، وإنما نفين عنه البشرية؛ لأنه قد برز في صورة قد لبست من الجمال البديع ما لم يعهد على أحد من البشر، ولا أبصر المبصرون ما يقاربه في جميع الصور البشرية، ثم لما نفين عنه البشرية لهذه العلة أثبتن له الملكية وإن كن لا يعرفن الملائكة لكنه قد تقرّر في الطباع أنهم على شكل فوق شكل البشر في الذات والصفات، وأنهم فائقون في كل شيء، كما تقرّر أن الشياطين على العكس من ذلك، ومن هذا قول الشاعر:

فلست لإنسيٍّ ولكن لملاكٍ تنزل من جوّ السماء يُصوب

وقرأ الحسن "ما هذا بشراء"، على أن الباء حرف جرّ، والشين مكسورة: أي ما هذا بعبد يشترى، وهذه قراءة ضعيفة لا تناسب ما بعدها من قوله: { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ }.

واعلم أنه لا يلزم من قول النسوة هذا أن الملائكة صورهم أحسن من صور بني آدم، فإنهنّ لم يقلنه لدليل، بل حكمن على الغيب بمجرد الاعتقاد المرتكز في طباعهن وذلك ممنوع، فإن الله سبحانه يقول: { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [التين: 4]. وظاهر هذا أنه لم يكن شيء مثله من أنواع المخلوقات في حسن تقويمه وكمال صورته. فما قاله صاحب الكشاف في هذا المقام هو من جملة تعصباته لما رسخ في عقله من أقوال المعتزلة، على أن هذه المسألة أعني: مسألة المفاضلة بين الملائكة والبشر ليست من مسائل الدين في ورد ولا صدر، فما أغنى عباد الله عنها وأحوجهم إلى غيرها من مسائل التكليف.

{ قَالَتْ فَذٰلِكُنَّ ٱلَّذِى لُمْتُنَّنِى فِيهِ } الإشارة إلى يوسف، والخطاب للنسوة أي: عيرتنني فيه. قالت لهنّ هذا لما رأت افتتانهنّ بيوسف إظهاراً لعذر نفسها، ومعنى { فيه } أي: في حبه. وقيل: الإشارة إلى الحب، والضمير له أيضاً، والمعنى: فذلك الحب الذي لمتنني فيه هو ذلك الحب، والأول أولى. ورجحه ابن جرير. وأصل اللوم: الوصف بالقبيح. ثم لما أظهرت عذر نفسها عند النسوة بما شاهدته مما وقعن فيه عند ظهوره لهنّ ضاق صدرها عن كتم ما تجده في قلبها من حبه، فأقرّت بذلك وصرّحت بما وقع منها من المراودة له، فقالت: { وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَٱسَتَعْصَمَ } أي: استعف وامتنع مما أريده طالباً لعصمة نفسه عن ذلك، ثم توعدته إن لم يفعل ما تريده كاشفة لجلباب الحياء، هاتكة لستر العفاف، فقالت: { وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا ءامُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مّن ٱلصَّـٰغِرِينَ } أي: لئن لم يفعل ما قد أمرته به فيما تقدّم ذكره عند أن غلقت الأبواب، وقالت: هيت لك { ليسجنن } أي: يعتقل في السجن { وليكونن من الصاغرين } الأذلاء لما يناله من الإهانة، ويسلب عنه من النعمة والعزّة في زعمها، قرىء "ليكوننّ" بالتثقيل والتخفيف، قيل: والتخفيف أولى لأن النون كتبت في المصحف ألفاً على حكم الوقف. وذلك لا يكون إلاّ في الخفيفة، وأما { ليسجنن } فبالتثقيل لا غير.

فلما سمع يوسف مقالها هذا، وعرف أنها عزمة منها مع ما قد علمه من نفاذ قولها عند زوجها العزيز قال مناجياً لربه سبحانه: { رَبّ ٱلسّجْنُ } أي: يا ربّ السجن الذي أوعدتني هذه به { أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا يَدْعُونَنِى إِلَيْهِ } من مؤاتاتها والوقوع في المعصية العظيمة التي تذهب بخير الدنيا والآخرة. قال الزجاج: أي دخول السجن، فحذف المضاف. وحكى أبو حاتم أن عثمان بن عفان رضي الله عنه قرأ "السجن" بفتح السين، وقرأ كذلك ابن أبي إسحاق وعبد الرحمٰن الأعرج، ويعقوب، وهو مصدر سجنه سجناً، وإسناد الدعوة إليهنّ جميعاً، لأن النسوة رغبنه في مطاوعتها وخوّفنه من مخالفتها، ثم جرى على هذا في نسبة الكيد إليهن جميعاً؛ فقال: { وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنّى كَيْدَهُنَّ } أما الكيد من امرأة العزيز فما قد قصه الله سبحانه في هذه السورة، وأما كيد سائر النسوة فهو ما تقدّم من الترغيب له في المطاوعة والتخويف من المخالفة. وقيل: إنها كانت كل واحدة تخلو به وحدها وتقول له: يا يوسف اقض لي حاجتي فأنا خير لك من امرأة العزيز، وقيل: إنه خاطب امرأة العزيز بما يصلح لخطاب جماعة النساء تعظيماً لها، أو عدولاً عن التصريح إلى التعريض. والكيد: الاحتيال. وجزم { أَصْبُ إِلَيْهِنَّ } على أنه جواب الشرط أي: أمل إليهنّ، من صبا يصبو: إذا مال واشتاق، ومنه قول الشاعر:

إلى هند صبا قلبي وهند حبها يصبي

{ وَأَكُن مّنَ ٱلْجَـٰهِلِينَ } معطوف على { أصب } أي: أكن ممن يجهل ما يحرم ارتكابه ويقدم عليه، أو ممن يعمل عمل الجهال.

قوله: { فَٱسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ } لما قال: { وإلاّ تصرف عني كيدهنّ } كان ذلك منه تعرضاً للدعاء، وكأنه قال: اللهمّ اصرف عني كيدهنّ، فالاستجابة من الله تعالى له هي بهذا الاعتبار؛ لأنه لم يتقدّم دعاء صريح منه عليه السلام، والمعنى: أنه لطف به وعصمه عن الوقوع في المعصية؛ لأنه إذا صرف عنه كيدهنّ لم يقع شيء مما رمنه منه، ووجه إسناد الكيد قد تقدّم، وجملة { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } تعليل لما قبلها من صرف كيد النسوة عنه أي: إنه هو السميع لدعوات الداعين له، العليم بأحوال الملتجئين إليه.

وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: { قَدْ شَغَفَهَا } غلبها. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه { قَدْ شَغَفَهَا } قال: قتلها حب يوسف. الشغف: الحبّ القاتل، والشعف: حبّ دون ذلك، والشغاف: حجاب القلب. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه أيضاً { قَدْ شَغَفَهَا } قال: قد علقها.

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: { فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ } قال: بحديثهنّ. وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان { فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ } قال: بعملهن، وكل مكر في القرآن فهو عمل. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في قوله: { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ متكأ } قال: هيأت لهن مجلساً، وكان سنتهم إذا وضعوا المائدة أعطوا كل إنسان سكيناً يأكل بها { فَلَمَّا رَأَيْنَهُ } قال: فلما خرج عليهن يوسف { أَكْبَرْنَهُ } قال: أعظمنه ونظرن إليه، وأقبلن يحززن أيديهنّ بالسكاكين وهنّ يحسبن أنهن يقطعن الطعام. وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ متكأ } قال: أعطتهنّ أترنجا، وأعطت كل واحدة منهنّ سكيناً، فلما رأين يوسف أكبرنه، وجعلن يقطعن أيديهنّ وهن يحسبن أنهنّ يقطعن الأترنج. وأخرج مسدد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن مردويه عنه: المتكأ: الأترنج، وكان يقرأها خفيفة. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد { متكأ } قال: طعاماً. وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر عنه قال: هو الأترنج. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: هو كل شيء يقطع بالسكين. وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ عن الضحاك مثله. وأخرج أبو الشيخ من طريق عبد العزيز بن الوزير بن الكميت بن زيد قال: حدّثني أبي، عن جدّي يقول في قوله: { فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ } قال: أمنين. وأنشد:

ولما رأته الخيل من رأس شاهق صهلن وأمنين المنى المدفقا

وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عبد الصمد بن عليّ بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن جده ابن عباس في قوله: { فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ } قال: لما خرج عليهنّ يوسف حضن من الفرح، وذكر قول الشاعر الذي قدّمنا ذكره:

نأتي النساء لدى أطهارهنّ ولا نأتي النساء إذ أكبرنَ إكباراً

وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: { أَكْبَرْنَهُ } قال: أعظمنه { وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } قال: حزّا بالسكين حتى ألقينها { وَقُلْنَ حاشا لِلَّهِ } قال: معاذ الله. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } قال: قلن ملك من الملائكة من حسنه. وأخرج أبو الشيخ عن منبه، عن أبيه قال: مات من النسوة التي قطعن أيديهنّ تسع عشرة امرأة كمداً. وأخرج أحمد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والحاكم عن أنس، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "أعطي يوسف وأمه شطر الحسن" ، وقد وردت روايات عن جماعة من السلف في وصف حسن يوسف، والمبالغة في ذلك، ففي بعضها أنه أعطي نصف الحسن، وفي بعضها ثلثه، وفي بعضها ثلثيه.

وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن ابن عباس { فَٱسَتَعْصَمَ } قال: امتنع. وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ عن قتادة { فَٱسَتَعْصَمَ } قال: فاستعصى. وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله: { وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنّى كَيْدَهُنَّ } قال: إن لا تكن منك أنت القوي والمنعة لا تكن مني ولا عندي. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ { أَصْبُ إِلَيْهِنَّ } قال: أتبعهنّ. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: أطاوعهنّ.