التفاسير

< >
عرض

وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً
٨١
كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً
٨٢
أَلَمْ تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً
٨٣
فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً
٨٤
يَوْمَ نَحْشُرُ ٱلْمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ وَفْداً
٨٥
وَنَسُوقُ ٱلْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْداً
٨٦
لاَّ يَمْلِكُونَ ٱلشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً
٨٧
وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً
٨٨
لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً
٨٩
تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً
٩٠
أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً
٩١
وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً
٩٢
إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ آتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً
٩٣
لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً
٩٤
وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَرْداً
٩٥
-مريم

فتح القدير

حكى سبحانه ما كان عليه هؤلاء الكفار الذين تمنوا ما لا يستحقونه، وتألوا على الله سبحانه من اتخاذهم الآلهة من دون الله لأجل يتعززون بذلك. قال الهروّي: معنى { لّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً }: ليكونوا لهم أعواناً. قال الفراء: معناه: ليكونوا لهم شفعاء في الآخرة. وقيل: معناه ليتعززوا بهم من عذاب الله ويمتنعوا بها. { كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَـٰدَتِهِمْ } أي ليس الأمر كما ظنوا وتوهموا، والضمير في الفعل إما للآلهة أي ستجحد هذه الأصنام عبادة الكفار لها يوم ينطقها الله سبحانه، لأنها عند أن عبدوها جمادات لا تعقل ذلك، وإما للمشركين، أي سيجحد المشركون أنهم عبدوا الأصنام، ويدل على الوجه الأوّل قوله تعالى: { مَا كَانُواْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ } [القصص: 63] وقوله: { { فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ ٱلْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَـٰذِبُونَ } [النحل: 86] ويدلّ على الوجه الثاني قوله تعالى: { وَٱللَّهِ رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [الأنعام: 23] وقرأ ابن أبي نهيك: "كلا" بالتنوين، وروي عنه مع ذلك ضمّ الكاف وفتحها، فعلى الضم هي بمعنى جميعاً، وانتصابها بفعل مضمر، كأنه قال: سيكفرون كلا سيكفرون بعبادهم، وعلى الفتح يكون مصدراً لفعل محذوف تقديره: كل هذا الرأي كلا، وقراءة الجمهور هي الصواب، وهي حرف ردع وزجر { وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً } أي تكون هذه الآلهة التي ظنوها عزّاً لهم ضدّاً عليهم، أي ضدّاً للعزّ وضدّ العزّ: الذلّ، هذا على الوجه الأوّل، وأما على الوجه الثاني فيكون المشركون للآلهة ضدّاً وأعداء يكفرون بها بعد أن كانوا يحبونها ويؤمنون بها.

{ أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا ٱلشَّيَـٰطِينَ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ } ذكر الزجاج في معنى هذا وجهين: أحدهما: أن معناه: خلينا بين الكافرين وبين الشياطين فلم نعصمهم منهم ولم نعذهم، بخلاف المؤمنين الذين قيل فيهم: { إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنٌ } [الإسراء: 65]. الوجه الثاني: أنهم أرسلوا عليهم وقيضوا لهم بكفرهم قال: { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَاناً } [الزخرف: 36] فمعنى الإرسال ها هنا: التسليط ومن ذلك قوله سبحانه لإبليس { وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ } [الإسراء: 64] ويؤيد الوجه الثاني تمام الآية، وهو { تَؤُزُّهُمْ أَزّاً } فإن الأزّ والهزّ والاستفزاز معناها: التحريك والتهييج والإزعاج، فأخبر الله سبحانه أن الشياطين تحرّك الكافرين وتهيجهم وتغويهم، وذلك هو التسليط لها عليهم، وقيل: معنى الأزّ: الاستعجال، وهو مقارب لما ذكرنا لأن الاستعجال تحريك وتهييج واستفزاز وإزعاج، وسياق هذه الآية لتعجيب رسول الله صلى الله عليه وسلم من حالهم، وللتنبيه له على أن جميع ذلك بإضلال الشياطين وإغوائهم، وجملة: { تؤزهم أزّاً } في محل نصب على الحال، أو مستأنفة على تقدير سؤال يدل عليه المقام، كأنه قيل: ماذا تفعل الشياطين بهم؟

{ فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ } بأن تطلب من الله إهلاكهم بسبب تصميمهم على الكفر، وعنادهم للحق، وتمرّدهم عن داعي الله سبحانه. ثم علل سبحانه هذا النهي بقوله: { إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً } يعني نعدّ الأيام والليالي والشهور والسنين من أعمارهم إلى انتهاء آجالهم. وقيل: نعدّ أنفاسهم. وقيل خطواتهم. وقيل: لحظاتهم. وقيل: الساعات. وقال قطرب: نعدّ أعمالهم. وقيل: المعنى: لا تعجل عليهم فإنما نؤخرهم ليزدادوا إثماً.

ثم لما قرّر سبحانه أمر الحشر وأجاب عن شبهة منكريه أراد أن يشرح حال المكلفين حينئذٍ، فقال: { يَوْمَ نَحْشُرُ ٱلْمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ وَفْداً } الظرف منصوب بفعل مقدّر، أي اذكر يا محمد يوم الحشر. وقيل: منصوب بالفعل الذي بعده، ومعنى حشرهم إلى الرحمٰن: حشرهم إلى جنته ودار كرامته، كقوله: { إِنّى ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبّى } [الصافات: 99] والوفد جمع وافد، كالركب جمع راكب، وصحب جمع صاحب، يقال: وفد يفد وفداً إذا خرج إلى ملك أو أمر خطير كذا قال الجوهري. { وَنَسُوقُ ٱلْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْداً } السوق: الحثّ على السير، والورد: العطاش قاله الأخفش وغيره. وقال الفراء وابن الأعرابي: هم المشاة، وقال الأزهري: هم المشاة العطاش، كالإبل ترد الماء. وقيل: { وردا } أي: للورد، كقولك: جئتك إكراماً، أي للإكرام، وقيل: أفراداً. قيل: ولا تناقض بين هذه الأقوال فهم يساقون مشاة عطاشاً أفراداً، وأصل الورد: الجماعة التي ترد الماء من طير أو إبل أو قوم أو غير ذلك. والورد الماء الذي يورد.

وجملة: { لاَّ يَمْلِكُونَ ٱلشَّفَـٰعَةَ } مستأنفة لبيان بعض ما يكون في ذلك اليوم من الأمور، والضمير في { يملكون } راجع إلى الفريقين. وقيل: للمتقين خاصة. وقيل: للمجرمين خاصة، والأوّل أولى. ومعنى { لا يملكون الشفاعة }: أنهم لا يملكون أن يشفعوا لغيرهم. وقيل: لا يملك غيرهم أن يشفع لهم، والأوّل أولى { إِلاَّ مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً } هذا الاستثناء متصل على الوجه الأوّل أي لا يملك الفريقان المذكوران الشفاعة إلا من استعدّ لذلك بما يصير به من جملة الشافعين لغيرهم بأن يكون مؤمناً متقياً، فهذا معنى اتخاذ العهد عند الله. وقيل: معنى اتخاذ العهد أن الله أمره بذلك كقولهم: عهد الأمير إلى فلان إذا أمره به. وقيل: معنى اتخاذ العهد: شهادة أن لا إلٰه إلا الله. وقيل: غير ذلك. وعلى الاتصال في هذا الاستثناء يكون محل "من" في { من اتخذ } الرفع على البدل، أو النصب على أصل الاستثناء. وأما على الوجه الثاني فالاستثناء منقطع؛ لأن التقدير: لا يملك المجرمون الشفاعة { إِلاَّ مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً } وهم المسلمون. وقيل: هو متصل على هذا الوجه أيضاً، والتقدير: لا يملك المجرمون الشفاعة إلا من كان منهم مسلماً.

{ وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً } قرأ يحيـى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي: "ولداً" بضم الواو وإسكان اللام، وقرأ الباقون في الأربعة المواضع الأربعة في هذه السورة بفتح الواو واللام، وقد قدّمنا الفرق بين القراءتين. والجملة مستأنفة لبيان قول اليهود والنصارى ومن يزعم من العرب أن الملائكة بنات الله، وفي قوله: { لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً } التفات من الغيبة إلى الخطاب، وفيه ردّ لهذه المقالة الشنعاء، والإدّ كما قال الجوهري: الداهية والأمر الفظيع، وكذلك الأدّة، وجمع الأدّة أدد، يقال: أدّت فلاناً الداهية تؤدّه أدا بالفتح. وقرأ أبو عبد الرحمٰن السلمي: "أدّاً" بفتح الهمزة، وقرأ الجمهور بالكسر، وقرأ ابن عباس وأبو العالية "آدّاً" مثل مادّاً، وهي مأخوذة من الثقل، يقال: أدّه الحمل يؤده: إذا أثقله. قال الواحدي: { لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً } أي عظيماً في قول الجميع، ومعنى الآية: قلتم قولاً عظيماً. وقيل: الإدّ: العجب، والإدّة: الشدّة، والمعنى متقارب، والتركيب يدور على الشدّة والثقل.

{ يَكَادُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ } قرأ نافع والكسائي وحفص ويحيـى بن وثاب "يكاد" بالتحتية، وقرأ الباقون بالفوقية وقرأ نافع وابن كثير وحفص "يتفطرن" بالتاء الفوقية، وقرأ حمزة وابن عامر وأبو عمرو وأبو بكر والمفضل { يتفطرن } بالتحتية من الانفطار، واختار هذه القراءة أبو عبيد لقوله: { إِذَا ٱلسَّمَاء ٱنفَطَرَتْ } [الإنفطار: 1]، وقوله: { { السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ } [المزمل: 18] وقرأ ابن مسعود: "يتصدّعن" والانفطار والتفطر: التشقق { وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ } أي وتكاد أن تنشق الأرض، وكرر الفعل للتأكيد لأن تتفطرن وتنشق معناهما واحد { وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ } أي تسقط وتنهدم، وانتصاب { هَدّاً } على أنه مصدر مؤكد؛ لأن الخرور في معناه، أو هو مصدر لفعل مقدّر، أي وتنهد هدّاً، أو على الحال أي مهدودة، أو على أنه مفعول له، أي لأنها تنهد. قال الهروي: يقال هدني الأمر وهدّ ركني، أي كسرني وبلغ مني. قال الجوهري: هدّ البناء يهدّه هدّاً كسره وضعضعه، وهدّته المصيبة أوهنت ركنه، وانهدّ الجبل، أي انكسر، والهدّة: صوت وقع الحائط، كما قال ابن الأعرابي، ومحل { أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً } الجرّ بدلاً من الضمير في { منه }. وقال الفراء: في محل نصب بمعنى لأن دعوا. وقال الكسائي: هو في محل خفض بتقدير الخافض. وقيل: في محل رفع على أنه فاعل { هدّاً }. والدعاء بمعنى التسمية، أي سموا للرحمٰن ولداً، أو بمعنى النسبة أي نسبوا له ولداً.

{ وَمَا يَنبَغِى لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً } أي لا يصلح له ولا يليق به لاستحالة ذلك عليه؛ لأن الولد يقتضي الجنسية والحدوث، والجملة في محل نصب على الحال، أي قالوا اتخذ الرحمٰن ولداً، أو أن دعوا للرحمٰن ولداً، والحال أنه ما يليق به سبحانه ذلك. { إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } أي ما كل من في السمٰوات والأرض { إِلا } وهو { آتِي } الله يوم القيامة مقرّاً بالعبودية خاضعاً ذليلاً كما قال: { { وَكُلٌّ أَتَوْهُ دٰخِرِينَ } [النمل: 87] أي صاغرين. والمعنى: أن الخلق كلهم عبيده فكيف يكون واحد منهم ولداً له؟ وقرى "آتٍ" على الأصل. { لَّقَدْ أَحْصَـٰهُمْ } أي حصرهم وعلم عددهم { وَعَدَّهُمْ عَدّاً } أي عدّ أشخاصهم بعد أن حصرهم فلا يخفى عليه أحد منهم. { وَكُلُّهُمْ ءَاتِيهِ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ فَرْداً } أي كل واحد منهم يأتيه يوم القيامة فرداً لا ناصر له ولا مال معه، كما قال سبحانه { { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ } [الشعراء: 88].

وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: { وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً } قال: أعواناً. وأخرج عبد بن حميد عنه { ضِدّاً } قال: حسرة. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال: { تَؤُزُّهُمْ أَزّاً }: تغويهم إغواءً. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً: { تَؤُزُّهُمْ أَزّاً } قال: تحرّض المشركين على محمد وأصحابه. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: تزعجهم إزعاجاً إلى معاصي الله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس: { وَفْداً } قال: ركباناً. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن أبي هريرة { وَفْداً } قال: على الإبل. وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يحشر الناس يوم القيامة على ثلاث طرائق: راغبين وراهبين، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير وأربعة على بعير، وعشرة على بعير، وتحشر بقيتهم النار تقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا" . والأحاديث في هذا الباب كثيرة جداً.

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس: { وِرْداً } قال: عطاشاً. وأخرج ابن المنذر عن أبي هريرة مثله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: { إِلاَّ مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً } قال: شهادة أن لا إلٰه إلا الله، وتبرأ من الحول والقوّة، ولا يرجو إلا الله. وأخرج ابن مردويه عنه في الآية قال: من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن مسعود أنه قرأ { إِلاَّ مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً } قال: إن الله يقول يوم القيامة: من كان له عندي عهد فليقم، فلا يقوم إلا من قال هذا في الدنيا، قولوا: اللّهم فاطر السمٰوات والأرض عالم الغيب والشهادة إني أعهد إليك في الحياة الدنيا أنك إن تكلني إلى عملي تقربني من الشرّ وتباعدني من الخير، وإني لا أثق إلا برحمتك، فاجعله لي عندك عهداً تؤديه إليّ يوم القيامة، إنك لا تخلف الميعاد. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أدخل على مؤمن سروراً فقد سرّني، ومن سرّني فقد اتخذ عند الرحمٰن عهداً، ومن اتخذ عند الرحمٰن عهداً فلا تمسه النار، إن الله لا يخلف الميعاد" . وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من جاءنا بالصلوات الخمس يوم القيامة قد حافظ على وضوئها ومواقيتها وركوعها وسجودها لم ينقص منها شيئاً جاء وله عند الله عهد أن لا يعذبه، ومن جاء قد انتقص منهم شيئاً فليس له عند الله عهد، إن شاء رحمه وإن شاء عذبه" .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: { لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً } قال: قولاً عظيماً، وفي قوله: { يَكَادُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ } قال: إن الشرك فزعت منه السمٰوات والأرض والجبال وجميع الخلائق إلا الثقلين، وكادت تزول منه لعظمة الله سبحانه، وكما لا ينفع مع الشرك إحسان المشرك، كذلك يرجو أن يغفر الله ذنوب الموحدين، وفي قوله: { وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً } قال: هدماً. وأخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة، وأحمد في الزهد، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة، والطبراني والبيهقي في الشعب من طريق عون عن ابن مسعود قال: إن الجبل لينادي الجبل باسمه، يا فلان، هل مرّ بك اليوم أحد ذكر الله؟ فإذا قال: نعم، استبشر. قال عون: أفيسمعن الزور إذا قيل ولا يسمعن الخير؟ هنّ للخير أسمع، وقرأ: { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً } الآيات.