قد تقدّم أن لوطاً هو ابن أخي إبراهيم، فحكى الله سبحانه ها هنا أنه نجى إبراهيم ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين. قال المفسرون: وهي أرض الشام، وكانا بالعراق وسماها سبحانه مباركة لكثرة خصبها وثمارها وأنهارها، ولأنها معادن الأنبياء؛ وأصل البركة: ثبوت الخير، ومنه برك البعير إذا لزم مكانه فلم يبرح. وقيل: الأرض المباركة: مكة، وقيل: بيت المقدس، لأن منها بعث الله أكثر الأنبياء، وهي أيضاً كثيرة الخصب، وقد تقدّم تفسير العالمين. ثم قال سبحانه ممتناً على إبراهيم { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً } النافلة: الزيادة، وكان إبراهيم قد سأل الله سبحانه أن يهب له ولداً، فوهب له إسحاق، ثم وهب لإسحاق يعقوب من غير دعاء، فكان ذلك نافلة، أي زيادة؛ وقيل: المراد بالنافلة هنا: العطية، قاله الزجاج. وقيل: النافلة هنا: ولد الولد، لأنه زيادة على الولد، وانتصاب { نافلة } على الحال. قال الفراء: النافلة: يعقوب خاصة، لأنه ولد الولد
{ وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَـٰلِحِينَ } [الأنبياء: 72] أي وكل واحد من هؤلاء الأربعة: إبراهيم ولوط وإسحاق ويعقوب، لا بعضهم دون بعض جعلناه صالحاً عاملاً بطاعة الله تاركاً لمعاصيه. وقيل: المراد بالصلاح هنا: النبوّة. { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا } أي رؤساء يقتدى بهم في الخيرات وأعمال الطاعات، ومعنى { بأمرنا } بأمرنا لهم بذلك، أي بما أنزلنا عليهم من الوحي { وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ ٱلْخَيْرٰتِ } أي أن يفعلوا الطاعات. وقيل: المراد بالخيرات: شرائع النبوّات { وَكَانُواْ لَنَا عَـٰبِدِينَ } أي كانوا لنا خاصة دون غيرنا مطيعين، فاعلين لما نأمرهم به، تاركين ما ننهاهم عنه. { وَلُوطاً آتَيْنَـٰهُ حُكْماً وَعِلْماً } انتصاب { لوطاً } بفعل مضمر دلّ عليه قوله: { آتيناه } أي وآتينا لوطاً آتيناه. وقيل: بنفس الفعل المذكور بعده. وقيل: بمحذوف هو: اذكر، والحكم: النبوّة. والعلم: المعرفة بأمر الدين. وقيل: الحكم: هو فصل الخصومات بالحق. وقيل: هو الفهم. { وَنَجَّيْنَـٰهُ مِنَ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ ٱلْخَبَـٰئِثَ } القرية هي سدوم كما تقدّم، ومعنى { تعمل الخبائث }: يعمل أهلها الخبائث، فوصفت القرية بوصف أهلها، والخبائث التي كانوا يعملونها هي اللواطة والضراط وخذف الحصى كما سيأتي، ثم علل سبحانه ذلك بقوله: { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْء فَـٰسِقِينَ } أي خارجين عن طاعة الله. والفسوق: الخروج كما تقدّم.
{ وَأَدْخَلْنَـٰهُ فِي رَحْمَتِنَا } بإنجائنا إياه من القوم المذكورين، ومعنى في { رحمتنا }: في أهل رحمتنا. وقيل: في النبوّة. وقيل: في الإسلام. وقيل: في الجنة { إِنَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } الذين سبقت لهم منّا الحسنى. { وَنُوحاً إِذْ نَادَىٰ } أي واذكر نوحاً إذ نادى ربه { مِن قَبْلُ } أي: من قبل هؤلاء الأنبياء المذكورين { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ } دعاءه { فَنَجَّيْنَـٰهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } أي من الغرق بالطوفان، والكرب: الغمّ الشديد، والمراد بأهله: المؤمنون منهم. { وَنَصَرْنَـٰهُ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا } أي نصرناه نصراً مستتبعاً للانتقام من القوم المذكورين. وقيل: المعنى منعناه من القوم. وقال أبو عبيدة: من بمعنى على، ثم علل سبحانه ذلك بقوله: { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْء فَأَغْرَقْنَـٰهُمْ أَجْمَعِينَ } أي لم نترك منهم أحداً، بل أغرقنا كبيرهم وصغيرهم بسبب إصرارهم على الذنب.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن أبيّ بن كعب في قوله: { إِلَى ٱلأرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا } قال: الشام. وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي مالك نحوه. وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال: لوط كان ابن أخي إبراهيم. وأخرج ابن جرير عنه { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَـٰقَ } قال: ولداً { وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً } قال: ابن الابن. وأخرج ابن جرير عن قتادة نحوه. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحكم نحوه أيضاً. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَـٰقَ } قال: أعطيناه { وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً } قال: عطية.